علمنا في المرة السابقة كيف كانت جهود حكام المسلمين وأمرائهم في إعادة إعمار المسحد النبوي الشريف، ونتحدث في هذه المرة عن إعادة إعمار القبة النبوية الشريفة بشكل منفصل نظرا لأهميتها وخصوصية معناها في قلوب المسلمين، كما نتحدث بإجمال عن باقي التوسيعات.
ففي عام 678هـ أمر السلطان المملوكي المنصور قلاوون الصالحي بعمارة قبة فوق الحجرة النبوية الشريفة، فجاءت مربعة من أسفلها، مثمنة من أعلاها، مصنوعة من أخشاب كسيت بألواح بالرصاص. وفي الفترة من عام 755 – 762هـ جدَّد الناصر حسن بن محمد بن قلاوون ألواح الرصاص التي على القبة الشريفة. وفي عام 765هـ عمل السلطان شعبان بن حسين بعض الإصلاحات في القبة الشريفة. وفي عام 881هـ أبدل السلطان قايتباي سقف الحجرة الخشبي بقبة لطيفة، جاءت تحت القبة الكبيرة.
وفي عام 886هـ احترقت القبة الكبيرة باحتراق المسجد النبوي الشريف، فأعاد السلطان قايتباي بناءها بالآجر عام 892هـ، ثم ظهرت بعض الشقوق في أعاليها فعمل لها بعض الترميمات، وجعلها في غاية الإحكام. وفي عام 974هـ أصلح السلطان سليمان القانوني العثماني رصاص القبة الشريفة ووضع عليها هلالاً جديدًا. وفي عام 1228هـ جدَّد السلطان محمود الثاني العثماني القبة الشريفة، ودهنها باللون الأخضر، فاشتهرت بالقبة الخضراء، بعد أن كانت تعرف بالبيضاء أو الزرقاء أو الفيحاء.
ثم كانت التوسعة السادسة للمسجد النبوي، وقد جمعت هذه التوسعة بين التوسعة، وبين إعادة الإعمار، فقد حصل الحريق الثاني للمسجد النبوي عام 886هـ فتمت الكتابة بذلك للسلطان الأشرف قايتباي، فحزن حزنًا شديدًا، وأرسل بالأموال والصناع والمواد اللازمة، وأمر بإعمار المسجد، وقد امتدت العمارة حتى رمضان 888هـ، وجرى زيادة على مساحة المسجد الأولى مقدارها : 120م2، وأصبحت المساحة الكلية للمسجد : 9010م2. وبلغ ارتفاع الجدران: 11م، وعدد الأروقة 18 رواقًا، وسدت معظم أبواب التوسعة العباسية، وبقي للمسجد 4 أبواب فقط، وزيدت مئذنة في المسجد فصار عدد المآذن خمسًا. وأحدثت شرفات ونوافذ وطاقات في الأجزاء العليا من الجدران للتهوية والإضاءة، وبقي للمسجد ساحة داخلية واحدة. أما الإنارة فهي كالسابق بقناديل الزيت الموزَّعة في أنحاء المسجد.
وبعد انتهاء البناء، حضر السلطان الأشرف إلى المدينة، وأوقف بعض الأوقاف على المسجد النبوي الشريف، ومنها: رباط، ومدرسة، وطاحون، وسبيل، وفرن، وغير ذلك.
وكانت التوسعة السابعة في عهد السلطان العثماني عبد المجيد، وأهم ما أضيف في تلك المرة هو الإنارة الكهربائية كانت الإنارة عن طريق 600 مصباح زيتي، ثم أدخلت الإنارة الكهربائية، وأضيء المسجد لأول مرة في 25 من شعبان 1326هـ، وزادت مساحة المسجد في هذه المرة حيث أصبحت المساحة الكلية للمسجد: 10303م2، وارتفاع الجدران: 11م، وعدد الأروقة: 19 رواقًا، والأبواب: 5 أبواب، والمآذن 5 مآذن، يتراوح ارتفاعها بين 47.50 و 60م، وأصبح عدد الأعمدة: 327 عمودًا، والقباب: 170 قبة. وبقي للمسجد ساحة داخلية واحدة، وبني في أقصى الجهة الشمالية من المسجد كتاتيب لتعليم القرآن الكريم، وفتح لها طاقات بشبابيك من حديد خارج المسجد وداخله، وتمت إنارة المسجد بوضع: 600 مصباح زيتي، موزعة في أنحاء المسجد.
ومنذ التوسعة الثامنة وحتى العاشرة فكانت بعد الدولة السعودية الحديثة، والتي أنشئت على يد الملك عبد العزيز آل سعود، وكانت التوسعة الثامنة في عهد الملك عبد العزيز آل سعود (1370 -1375هـ) وبلغت المساحة المضافة في هذه التوسعة 6024م2. وقد احتفظت التوسعة بالأبواب الخمسة التي كانت في التوسعة المجيدية، وأضافت إليها مثلها، فأصبح مجموع الأبواب بعد هذه التوسعة عشرة أبواب، ثلاثة منها بثلاثة مداخل. وفي ركني الجهة الشمالية أقيمت مئذنتان ارتفاع الواحدة 72م تتكون من أربعة طوابق، وبهذا يصبح مجموع المآذن بعد التوسعة أربع مآذن.
ثم كانت التوسعة التاسعة في عهد الملك فيصل بن عبد العزيز (1393هـ) أضيفت مساحة 40.550م في الجهة الغربية الخارجية للمسجد على مرحلتين: الأولى: 35.000م2، والثانية: 5.550م2.
وكانت التوسعة العاشرة في 18 من رجب عام 1397هـ خصص الملك خالد الأرض الواقعة في الجنوب الغربي من الحرم النبوي الشريف لخدمات المصلين والزائرين، حيث أقيم على قسم منها مظلات للصلاة تحتها، والمساحة الباقية جعلت مواقف لسيارات المصلين والزائرين. بلغت مساحة هذه الأرض 43000م2.
التوسعة الأخيرة الكبرى التي قام بها خادم الحرمين الشريفين رحمه الله الملك فهد بن عبد العزيز، وكانت في الفترة ما بين (1405-1414 هـ) وبلغت مساحة تلك التوسعة الإجمالية 384000م مما جعل المساحة الكلية للمسجد الحالية 98327 مترا مربعا، مستوعبا نحو 167 ألف مصلي، يضاف إليها مساحة 67 ألف متر مربع وهي مساحة سطح المبنى الجديد، والذي يستوعب 90 ألف مصل، كما يمكن استخدام مساحة الساحات المحيطة، والتي تبلغ 235 ألف متر مربع، لاستيعاب 450 ألف مصل، وليبلغ إجمالي مساحة الحرم النبوي، شاملة الأسطح والساحات نحو 400327 مترا مربعا، بتضاعف قدره 25 مرة عن كامل التوسعات السابقة، ولتستوعب المساحة الجديدة أكثر من 707 آلاف مصل، في الفترات العادية، وما يزيد على المليون مصل في أوقات الذروة، وقد أصبح مجموع أبواب الحرم النبوي الشريف بعد التوسعة الجديدة 86 باباً.
فكانت هذه التوسعة أعظم التوسيعات، وكانت من أكبر حسنات الملك الراحل رحمه الله تعالى. (يتبع)