لقد قرر الإسلام المساواة كمبدأ عام بين الناس جميعا, وجعله مهيمنا تسري روحه كدعامة لجميع ما سنه وقضى به نظام وأحكام تضبط علاقات الأفراد رجالا ونساء, وكان من تقديره لقيمة الإنسانية المشتركة بين الجميع تكريم الجنس البشري بنوعيه دون تمييز بين رجل وامرأة.
لذلك تأكد في عقيدة المسلم أن الناس سواسية بحسب خلقهم الأول, وأنه ليس هناك تفاصيل في إنسانيتهم بين رجل وامرأة إلا بما يجري على ذلك من أسس مكتسبة أساسها التقوى والعمل الصالح, لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً) [النساء:1].
فالرجل والمرأة من نفس العنصر, خلقهما الله زوجين متجاذبين حتى يخلق من اجتماعهما نسلا جديدا; قال سبحانه: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) [الأعراف:189].وكرم الله عز وجل الرجل والمرأة بالتكليف دون تمييز, وترتيب الثواب والعقاب على الطاعة والمعصية, فهما متساويان في الجزاء والمؤاخذاة; قال تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) [آل عمران:195].
وساوى سبحانه بين الرجل والمرأة على مستوى الحقوق; فقال تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة:228].
وأما على مستوى التكريم والإحسان فقد أوصى الشرع الشريف الرجل برعاية المرأة زوجة كانت أو أما أو اختا; فقال سبحانه: (وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) [البقرة:236].
ونهى الإسلام عن ظلم المرأة أو البغي على حقوقها المادية أو المعنوية فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ) [النساء:19].
وكذلك نبه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المساواة بين الرجل والمرأة ووجوب الرعاية للنساء في أحاديث عدة; فقال: «إنما النساء شقائق الرجال», (مسند أحمد 6/256), وقال: «استوصوا بالنساء خيرا», (صحيح البخاري 5/1987), وقال: «خيركم خيركم لأهله, وأنا خيركم لأهلي», (سنن الترمذي 5/709).
وقد اشتبه على أناس أن في بعض الآيات القرآنية تمييزا بين الرجل والمرأة كقوله تعالى: (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ) [النساء:32]؛ ففهموا أن الله فضل الرجل بالذكورة على المرأة للأنوثة, وأن على المرأة ألا تتمنى ما فضل الله به الرجل.
والصحيح أن أولى الأقوال في تأويل الآية أن معناها: للرجل نصيب من ثواب الله وعقاب مما اكتسبوا وعملوا من خير أو شر, وللنساء نصيب مما اكتسبن من ذلك كما للرجل.
وهذا أولى من تأويل الآية بأنه: للرجل نصيب من الميراث وللنساء نصيب منه؛ لأن الله جل ثناؤه أخبر أن لكل فريق من الرجال والنساء نصيبا مما اكتسب، وليس الميراث مما اكتسبه الوارث, وإنما هو مال أورثه الله عن ميته بغير اكتساب, ولا يجوز -أيضا تأويل الزيادة في نصيب الرجل في الميراث على الأنثى المساوية له في درجة القرابة من المورث على أنه فضل للرجال على المرأة, وكذلك فليس في فرض الجهاد على المرأة, وكذلك فليس في فرض الجهاد على الرجل تفضيل لهم على النساء.كما اشتبه على البعض قول الله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) [النساء:34]; فظنوا أن الآية تتحدث عن جنس الرجال وجنس النساء, والظاهر من السياق أن الآية تتحدث عن الزوج وزوجته, حيث جاء فيها: (فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ) [النساء:34] ولا يصح لأي رجل أن يفعل ذلك إلا بزوجته.
وليس في قوامة الزوج على زوجته أي انتقاص لحقوقها أو امتهان لإنسانيتها وذاتها, والآية وإن جاءت في صيغة الخبر لكنها إنشائية, تأمر الزوج بأن يقوم على حاجة أسرته بالرعاية والحماية والإنفاق, وتأمر الزوجة ألا تنازع الزوج فيما يأمرها به من معروف, وتخبر الآية أن الأصل في الأسرة الإسلامية أن تكون على هذا المنوال.
وإن احتسبنا هذه القوامة حقا أو تشريفا للزوج فإنه يفترض عليه من الواجب ما ينال به هذا الدور من القوامة, ولن يحصل على هذه القيادة هبة أو لمجرد ذكورته, فقد جاءت الآية لتبين الأسباب الموضوعية التي تبنى عليها هذه القوامة.
ولا تعني القوامة بأي حال أن يتحكم الرجل بواسطتها فيفرط في بقية القيم الأخلاقية الإسلامية, فيكون رأي في الأسرة استبدادا وتسلطا, أو يأمر بالمعروف والمنكر والطاعة المعصية بلا تفرقة, أو يتدخل في الأمور الخاصة بزوجته كأن يتدخل في عقيدتها فيكرهها على تغييرها أو يفتنها في دينها أو يتدخل في تصرفاتها المالية الخاصة; وذلك أن الزوجة المسلمة لا تطيع زوجها طاعة عمياء بل تطيعه في المعروف; فإن خالف وأمر بمعصية فلا طاعة له عليها.