الكلام هنا يتسع في مجالات متعددة ولعلنا هنا نذكر ما قاله الصديق رضي الله عنه عند وفاة الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ؛ فعَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ مَاتَ وَأَبُو بَكْرٍ بِالسُّنْحِ، فَقَامَ عُمَرُ يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ، قَالَتْ: وَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ مَا كَانَ يَقَعُ فِي نَفْسِي إِلَّا ذَاكَ، وَلَيَبْعَثَنَّهُ اللَّهُ فَلَيَقْطَعَنَّ أَيْدِيَ رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَكَشَفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فَقَبَّلَهُ قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُذِيقُكَ اللَّهُ الْمَوْتَتَيْنِ أَبَدًا، ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: أَيُّهَا الْحَالِفُ عَلَى رِسْلِكَ، فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ جَلَسَ عُمَرُ، فَحَمِدَ اللَّهَ أَبُو بَكْرٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: أَلَا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، وَقَالَ: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} وَقَالَ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} ".
ورمضان ما جاء إلا ليذكر الناس بما يجب أن يكونوا عليه في جميع الأحوال؛ لأن رمضان ما كان ليكون رمضان إلا بسبب إنزال القرآن فيه؛ قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} (البقرة: 185).
وحتى ليلة القدر ما صارت ليلة القدر ليلة القدر إلا بإنزال القرآن، والقرآن الذي من أجله صار رمضان: رمضان، وصارت ليلة القدر ليلة القدر، قائم فينا محفوظ بحفظ الله لنا؛ ليظل يعمل القرآن فينا استقامة وخلقًا، واستجابة وطاعة، وتآلفًا ورحمة، وبدأ ويبقى على هذه الأمة بقاء هذا القرآن، وبيان القرآن من سنَّة الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فيفتن من يظن أن العبادة في رمضان، رمضان قد يكون أشد تذكيرًا للإنسان بالجو المحيط فيه ولكن عبادة الله لا تنقطع أبدًا.
والاستجابة لأمر الله يجب أن تكون في كل حال، وتقوى الله التي جاء من أجلها ويحققها رمضان، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: " اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ " زمانًا أو مكانًا، ولذلك أنصح إخواننا الذين يتصورون أن رمضان له خاصية خاصة ينفرد بها بأن يستقيم الإنسان ثم يترك هذه الاستقامة إذا مضى رمضان بأنه قد بالغ في الخطأ، وبالغ في الإساءة؛ فالله تعالى يُعبد في جميع الأحوال، وما جاء رمضان إلا بما قلت لك {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} (البقرة: 185)، والقرآن الذي أُنزل في رمضان قائم فينا محفوظ بحفظ الله لنا، وهو حجة لنا أو علينا.
حجة لنا إذا استجبنا لندائه في جميع الأحوال. وحجة علينا إذا نحن خالفناه، أو أعرضنا عنه أو تنكرنا له.