طباعة

اسم الله القهار

كما اشرنا في المقالات السابقة، تتشعب أسماء الله تعالى إلى ثلاثة أقسام يختلف سلوك المؤمن وفقا إلي كل قسم منها. فعلي المؤمن أن يتخلق بصفات الجمال مثل الرحمن الرحيم الودود الغفار. وعليه أن يتعلق بصفات الجلال ولا يتخلق بها فهي لله وحده ولا يشاركه فيها احد ومن هذه الصفات الجبار المتكبر. أما عن القسم الثالث والأخير فهي صفات الكمال مثل الله الخالق البارئ المصور وحال المؤمن تجاهها هو الإيمان والتصديق.

ومقال اليوم يدور في فلك اسم الله القهار والذي ينتمي إلي الفئة الثانية. والقهر في اللغة هو الغلبة والأخذ من فوق. قال الأَزهري والله القاهرُ القَهّار قَهَرَ خَلْقَه بسلطانه وقدرته وصَرَّفهم على ما أَراد طوعاً وكرهاً والقَهَّار للمبالغة. وقال ابن الأَثير القاهر هو الغالب لجميع الخلق. وقَهَرَه يَقْهَرُه قَهْراً غلبه وتقول أَخَذْتُهُم قَهْراً أَي من غير رضاهم.

والقهار في صفة المخلوق صفة ذم لأنه يكتسب لما ليس له، فإن القوة والسلطة لله سبحانه. ففي الحديث الشريف فيما رواه أبو داوود في سنته عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِى وَالْعَظَمَةُ إِزَارِى فَمَنْ نازعني وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ في النَّارِ ».فهو الذي -كما قال ابن كثير في تفسيره- خضعت له الرقاب، وذلت له الجباه، وعنت له الوجوه ، وقهر كل شيء ، ودانت له الخلائق ، وتواضعت لعظمة جلاله وكبريائه الأشياء ، وتضاءلت بين يديه وتحت قهره وحكمه " .

ورد اسم الله القهار في القرآن الكريم عدة مرات وبصور مختلفة. فورد كصيغة مبالغة علي وزن فعال ستة مرات في قوله: ﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ﴾ [يوسف :39]، وقوله: ﴿ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الوَاحِدُ القَهَّارُ ﴾ [الرعد :16]، وقوله: ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ﴾ [إبراهيم :48]، وقوله: ﴿ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللَّهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ﴾ [ص :65]، وقوله: ﴿ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ ﴾ [الزمر :4]، وقوله: ﴿ لِّمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ لِلَّهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ﴾ [غافر :16]. وتظهر جميع الآيات السابقة اقتران اسم الله القهار باسمه الواحد ليؤكد سبحانه وتعالى تفرده بصفة القهر لأي مخلوق ينازعه في سلطانه.

كما ورد الاسم علي صيغة فاعل في موضعين اثنين فقط هما قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ ﴾ [الأنعام :18]، وقوله : ﴿ وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ [الأنعام :61] . وهاتان الآيتان تؤكدان سلطة الله تعالى فوق خلقه. فمن مخلوقات الله من خيرها سبحانه وتعالى للاستسلام لقهره وملكوته طوعا أو كرها مثل السماء والأرض في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ استوي إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ [فصلت :11]. بينما من مخلوقاته من لم يمهله الله تعالى فرصة الاختيار مثل العرش والذي يعد أعظم مخلوقات الله حجما. والعرش مخلوق عظيم الحجم لا يستطيع الإنسان تصور حجمه بقدرات العقل البشري. ففي الحديث الشريف الذي أخرجه ابن حبان في صحيحه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يا أبا ذر ، ما السماوات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة ». إلا أن الله سبحانه وتعالي قهره في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ ﴾ [الفرقان :59] أي قهره، كدليل علي سلطانه سبحانه.

واتت صيغة الفعل من الاسم مرتين. مرة بصيغة الجمع ليذم أفعال قوم فرعون في معاملتهم لبني إسرائيل في قوله: ﴿ وَقَالَ المَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِى الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِى نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ [الأعراف :127]. وأوضح الله تعالى سوء عاقبة فعلهم هذا سريعا في قوله: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ [الأعراف :130] . وجاء أيضا في صيغة الفعل المنفي في قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا اليَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ﴾ [الضحى :9]. كنهي للمؤمن الواعي بعدم الاتصاف بهذا الاسم.

 

عدد الزيارات 14095 مرة
قيم الموضوع
(3 أصوات)