طباعة

حرية التعبير

  • أعتذر روبرت ماردوخ، صاحب أحد أشهر الإمبراطوريات الإعلامية الأمريكية للرئيس الأمريكي أوباما عن الكاريكاتير السياسي الذي اعتبره النقاد جريمة عنصرية حيث نشرت الرسوم في وقت سابق في نيورويرك بوست في 18 فبراير 2009 حيث قال: في الأسبوع الماضي ارتكبنا خطأ بنشرنا تلك الرسوم الكاريكاتورية التي أغضبت الكثير من الناس واليوم أود الاعتذار شخصياً. وهذه الرسوم أظهرت اثنين من رجال الشرطة يقفون فوق جثة قرد ويقول أحدهما للآخر: سيكون لزاما عليهم الآن إيجاد شخص آخر لكتابة مشروع القانون المحفز للاقتصاد. وخلفية هذا الرسم أن القرد في الأدبيات الأمريكية يرمز إلى الأمريكان من أصول أفريقية وأن حادثاً حدث في الشهر الماضي في ولاية كونيكتيكت الأمريكية قرب نيويورك قتلت فيه الشرطة شامبنزي يسمى ترافيس بعد مهاجمته لأحد السيدات. ففهم الجميع أن هذه الرسوم تسخر وتسئ إلى الرئيس أوباما وتعتمد على رمز راسخ في تاريخ العنصرية تجاه السود وهو تشبيههم بالقرود، فثار غضب الناس وسمعت من بعض الأمريكان أنهم شعروا بالألم وتفهموا مدى تألم المسلمين من الرسوم المسيئة للرسول الكريم فقلت لهم: إن حرية التعبير لابد أن تحترم عقائد الآخرين والمبادئ الأخلاقية العليا للإنسان والنظام العام والأمن المجتمعي وأنه قد آن الأوان لأن تغير الولايات المتحدة الأمريكية والمجموعة الأوروبية موقفها الحذر من إصدار الأمم المتحدة اتفاقية دولية ملزمة تدعو العالم كله إلى أن ينص في قوانينه على تجريم ازدراء الأديان والإساءة التي يلزم منها اختلال الأمن أو المساس بالشعور الديني أو التدخل في الحياة الشخصية.
  • وتذكرت أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (والذي اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة
    للأمم المتحدة 2200 ألف (د-21) المؤرخ في 16 ديسمبر 1966
    وبدأ تفعليه في: 23 مارس 1976، وفقا لأحكام المادة 49) في مادته التاسعة عشر يؤكد: لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها. ثم اتبع ذلك بتأكيد بأن تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة السابقة من هذه المادة واجبات ومسئوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية: (أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، (ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة. ويتضح من هذه المادة أن حرية التعبير ليست حرية مطلقة ولكنها مقيدة بالعديد من الشروط.
  • ولقد طبق هذا التقييد على الكتب والروايات والأفلام التي سببت إساءة دينية أو ضرراً اقتصادياً أو إخلالاً بالأمن المجتمعي أو تكريساً للعنصرية والطائفية حتى قامت المؤرخة دون بي سوفا بالاشتراك مع آخرين بنشر كتاب حول النصوص التي منعت من النشر تحت عنوان "100 نص محرم: تاريخ النصوص الممنوعة من النشر على مستوى العالم" الصادر عن دار نشر تشيك مارك سنة 1999م، وقد أدي نجاح هذا الكتاب إلى إصدار دار النشر نسخة أخرى منه مع زيادتها إلى 120 نص ممنوع من النشر سنة 2005م، أما المؤرخة فقد قامت بتأليف العديد من الكتب المشابهة مثل "الأفلام السينمائية المحرمة: تاريخ 125 فيلم سينمائي ممنوع من العرض" سنة 2001م، و"المسرحيات الممنوعة: تاريخ تحريم 125 عمل مسرحي من العرض على المسرح" سنة 2004م الصادرة جميعها عن دار نشر فاكتس أون فيل، ثم تعاونت مع المؤرخة كين واتشسبرجر في تأليف موسوعة من أربعة أجزاء شملت العديد من النصوص الممنوعة من النشر لأسباب سياسية ودينية وجنسية واجتماعية والتي صدرت مكتملة سنة 2006م عن نفس دار النشر.
  • ومن ناحية أخرى، قام مجلس الشيوخ البريطاني في 21 فبراير عام 1979م، بتحريم قصيدة تسب السيد المسيح عيسى عليه الصلاة والسلام، وتغريم كاتبها وذلك بما عرف في وقتها بقضية ليمون ضد وايتهاوس، وعندما تم استئناف القضية ورفعها إلى المحكمة الأوروبية العليا لحقوق الإنسان، دعمت هذه المحكمة في قرارها الصادر في 7 مايو سنة 1982م موقف مجلس الشيوخ، وفي تفسيرها لهذا الدعم، أعلنت المحكمة المذكورة أن المادة التاسعة الخاصة بالحرية الدينية الواردة في الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان تعد أعلى وأهم من المادة العاشرة الخاصة بحرية التعبير الواردة في نفس الميثاق، مما يعني تقييد حرية التعبير بشرط عدم الإساءة للآخرين في معتقداتهم ورموزهم الدينية والمقدسة.
  • وإن حاولت بعض الأقلام أن ترى في الإساءة حقاً مقدساً حيث تتخوف من كل القيود مثل ما كتبه كلايد هيبرمان في عموده الشهير بجريدة النيويورك تايمز، فإننا مع تفهمنا للخوف الشديد على حرية التعبير، نُذكر دائما بوجوب إحداث التوازن بين الحفاظ على حرية التعبير والحفاظ على الاجتماع البشري، ومن أبدع من كتب في معضلة التوازن هذه ديفيد روبرتسون في كتابه "قاموس الحقوق الإنسانية" الصادر عن الشركة الأوروبية المتحدة للنشر سنة 1997م، وفي النهاية لا يسعني إلا أن أقف منبهرا مؤمنا بقوله تعالى قي حق نبيه: ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ﴾ [الحجر :95]، وقوله تعالى: ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ﴾ [البقرة :137]، فاللهم صل وسلم علي سيدنا محمد الذي وصفه ربه فقال: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء :107].
عدد الزيارات 8042 مرة
قيم الموضوع
(0 أصوات)