طباعة

عباس الديب‏: من مداحي الرسول صلى الله عليه وسلم

الجمعة, 05 يونيو 2015 18:29 كتبه

يتشرف كل مسلم حين ينتسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأية نسبة قربت أو بعدت‏,‏ وتتنوع صور تلك النسبة بتنوع ما يربط المسلم بحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم فمنها ما يرجع إلى طاعته وحسن اتباعه.

ومنها ما يعود إلى التشرف بخدمته والقيام بخدمة شرعه‏,‏ ومنها ما يتصل بمحبته وكثرة ذكره ومدحه‏,‏ لينال المحب بذلك حبه صلى الله عليه وسلم وشفاعته ومعيته‏.‏ وممن كان له السبق بذلك المقام في المديح شاعرا رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ حسان بن ثابت‏,‏ وكعب بن مالك‏,‏ مرورا بدرة عصره وزمانه الإمام البوصيري رضي الله عن الجميع‏.

وممن اشتهر بهذا فيمن عاصرناهم وسمعناهم السيد عباس الديب الصوفي الشاذلي العقادي‏,‏ نسبة إلى شيخه السيد محمد أحمد العقاد رضي الله عنه‏,‏ وهو الذي ابتدأ به السيد عباس المدح في أول قصيدة له سنة ‏1958‏ م‏,‏ وقال في مطلعها‏:

الحمد لله حق الحمد للفقرا

*

شرفتموا قدرنا يا خير من حضرا

وقد ولد رحمه الله تعالى في حي القلعة يوم الحادي عشر من مارس لعام ‏1918م‏,‏ وماتت أمه وهو في الثالثة من عمره‏,‏ فتعهده شقيقه الأكبر حسين‏,‏ حتى التحق بكلية الحقوق جامعة القاهرة‏,‏ ثم التحق بالجيش‏,‏ وأدى الخدمة بفرقة في السودان‏,‏ وظل هناك قرابة ثلاث سنوات‏,‏ التحق بعدها بالري المصري في مدينة ملكال بالسودان‏,‏ وقد تزوج وأنجب من الأبناء عشرة‏,‏ بقي منهم بعد وفاته خمسة ذكور وأربع إناث وهم‏:‏ زلفي‏,‏ وحيد‏,‏ فريد‏, سعيد‏,‏ صبري‏,‏ سلوى‏,‏ ميسرة‏,‏ حسين‏,‏ زينب‏.‏

وتأثر مداح الرسول بوفاة والدته بشدة وداوم على زيارة قبرها‏,‏ والبكاء عنده‏,‏ ولم يمنعه هرمه ولا شيخوخته من البكاء بجوار قبر أمه‏,‏ وقد كتب أبياتا لرثاء والدته من أروع ما جاء فيها‏:

أماه إن سكن الوليد الصدر أم حانية


وسقته أثداء الحنان فصار نفسا راضية

وغدت أماني الحياة نشيده وأغانيه

أماه كيف أنال ذا والموت بدد ماليه

ويعد السيد عباس من رواد شعر المديح في القرن العشرين‏,‏ حيث تبوأ مكانا عاليا في عالم الشعر الصوفي والمدائح النبوية‏,‏ وقد حباه الله موهبة الشعر في سن متأخرة‏,‏ وكانت أولى قصائده في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك التي قال في مطلعها‏:

تولى المصطفى أمري

*

وأسلمني إلى ربي

وأشرق نوره سحرا

*

فكانت لحظة العمر

فصارت ليلة القدر

*

فتم الوصل بالفجر

ومن آخر ما أبدع الديب في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم قصيدة بعنوان‏: منازل الرضوان يقول فيها‏:

لم أجد في الخلق حصنا غير نور الله طه

إنه المختار طه فهو نور الله فينا

يحتمي فيه العبيد فهو لي ركن شديد

إنه خير الأنام وهو مصباح الظلام

واقتفى السيد عباس أثر أسلافه من المداحين الذين أتوا بعد البوصيري‏,‏ حيث لم يكتفوا بما أبدعوا من قصائد ومدائح نبوية ورأوا أنه لزام عليهم أن تلتقي أنفاسهم بأنفاسه فراحوا يشطرون بردته الشهيرة‏,‏ كل بما جاءت به قريحته‏, ومما قال عباس في ذلك‏:

يا رب بالمصطفى حسناه ساقيتي

إني قتيل الهوى والمصطفى ديتي

فإن لي ذمة منه بتسميتي

عفوا‏..‏ وبالنور للرحمن هاديني

مذ جئته مسلما في الحب ناصيتي

محمدا وهو أوفى الخلق بالذمم

ولم يكتف السيد عباس بفن المديح فحسب‏,‏ بل اهتم أيضا بنظم الأوراد والأدعية والأذكار الربانية نثرا وشعرا‏,‏ ومن بين تلك الأذكار والأدعية مناجاته التي سمحت بها قريحته فيقول‏:

اللهم افض علينا من أسرار منتك ما يقيم بنا حقيقة التوحيد‏,‏ ومن أنوار عزتك ما يبلغنا سدرة التفريد‏,‏ ومن رضاك ومحبتك ما يؤمننا يوم الخوف والوعيد‏,‏ إنك أنت الحميد المجيد‏,‏ الفعال لما يريد‏,‏ وأنت على كل شيء شهيد‏.

ومن دواوين شعره المنشورة ديوان بعنوان بين أمي والقرآن وهو حوار دار في مخيلته بينه وبين أمه بعد انتقالها إلى رحمة الله‏,‏ وقد عالج في هذا الحوار الكثير من قضايا العصر التي تثار بين الحين والآخر‏,‏ مما تدفعه علينا عواصف التشدد حينا‏,‏ وزوابع الانحلال والإباحية حينا اخر‏,‏ تلك التي يبغون من ورائها تشكيك الشباب في دينهم وزعزعة عقيدتهم‏,‏ ومن تلك القضايا خطر التعصب لرأي وتخطئة المخالف وتبديعه بل تكفيره‏,‏ مما يعد مناقضا ومحجوجا بصريح قوله تعالى‏: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالمُهْتَدِينَ) [النحل:125] فيقول السيد عباس‏:

فسألتها يا أم ما للناس قد ضلوا الطريق

وغدوا على جهل جهول بالعدو وبالصديق

يتعصبون بلا هدى وكأنهم رأس المضيق

هذا كفور ذا جهول ذاك بدعي عريق

هم وحدهم جند الإله وغيرهم أهل الحريق

ويقودهم متبجح بالزهد يرديه البريق

متفيهق بلسانه والقلب سفاح عريق

قالت بني فهؤلاء خوارج الفكر العتيق

فالدين دين الله ليس لمدعي العلم الصفيق

والله لو ملك الجهول لكان كل دم يريق

وقد نشرت للشيخ عباس الديب مؤلفات طيبة في المدائح والأوراد والأذكار‏,‏ ولا يزال بعضها تحت يد أبنائه‏,‏ وهو لم يبغ من وراء كل ذلك شيئا من عرض الدنيا ولمذاتها‏,‏ بل دأب على التأكيد بالإذن بطبع ونشر كتبه وقصائده للراغبين في ذلك دون الرجوع إليه‏,‏ ليضرب لنا المثل والقدوة في الزهد والإخلاص والحب لذكر الله ومدح رسول صلى الله عليه وسلم‏.

رحم الله عباس الديب وأسكنه فسيح جناته‏,‏ ونفعه بمدحه وثنائه على النبي المصطفى وجمعنا وإياه في الآخرة مع سيد الخلق وحبيب الحق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم‏.

عدد الزيارات 11561 مرة
قيم الموضوع
(2 أصوات)

1 تعليق

  • تعليق حامد الإثنين, 06 يونيو 2022 16:09 أرفق حامد

    ?????رحم الله تعالى شيخنا والعالم والمحب لسيدنا محمد صلى الله عليه وءاله وسلم تسليما والذي أنشد فيهجمالا وإجلالا??وقد عرفته عن طريق إبنه الحاج وحيد الديب في مقرأة للقرآن الكريم في مصر الجديده في منزل الحاج حسين هيكل رحمة الله تعالى عليه والتي يديرها حاليا إبنه الحاج عمر هيكل?وولديه حسين ومحمد عمر بارك الله تعالى لهم وبارك عليهم وجمع بيننا وأهل القرآن الكريم مع صاحب القرآن الكريم وآله ومن والاااااهم في الفردوس الأعلى من الجنة ??????????????????