طباعة

مدينة رسول الله [4-5]

تكلمنا في مقالة سابقة عن البقيع، وعن مسجد قباء باعتبارهما من أهم معالم مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد المسجد النبوي المبارك، والذي سنفرد له مقالات فيما بعد، ووصلا بما سبق نتكلم في هذه المرة عن مسجد ذي القبلتين، وجبل أحد.

مسجد ذي القبلتين هو المسجد الذي شهد نزول الوحي بتغير القبلة من المسجد الأقصى ببيت المقدس في القدس إلى المسجد الحرام بمكة المكرمة عندما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك ظهر يوم الثلاثاء النصف من شهر شعبان من السنة الأولى للهجرة النبوية المباركة،  فمن ذلك الحين وهو يعرف المسجد يعرف بمسجد (ذو القبلتين) أو (مسجد القبلتين)،  وفي ذلك التحويل إشارة لانتقال الريادة الدينية من القدس إلى مكة، ومن بني إسرائيل إلى العرب، ولقد أشار العهد الجديد لمسألة تحويل القبلة، ففي إنجيل يوحنا في حوار المرأة مع المسيح يقول : « قالت له المرأة : يا سيدي أرى أنك نبي ـ آباؤنا سجدوا في هذا الجبل، وأنتم تقولون أن في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيه ـ فقال لها يسوع : يا امرأة صديقني أنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون » [يوحنا : 4/ 19، 20، 21].

فجاء القرآن الكريم محققا لتلك النبوءة، قال تعالى : (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَتِي كَانُوا عَلَيْهَا) [البقرة : 142] وقال سبحانه : (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ)  [البقرة : 144].

وهو مسجد ينسب لبني حرام من بني سلمة، وتذكر بعض المصادر أن بني سواد بن غنم بن كعب هم الذين أقاموه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرف بمسجد القبلتين أو ذو القبلتين، بعد تحويل القبلة، ويقع في شمال غربي المدينة المنورة على مقربة من مسجد الفتح، ويقع في الجنوب الغربي من بئر رومة قرب وادي العقيق وفوق رابية مرتفعة قليلاً، ويبعد عن المسجد النبوي خمسة كيلو مترات بالاتجاه الشمالي الغربي. وفيه محرابان؛ الأول : مبني في الاتجاه الذي كان يصلي إليه النبي صلى الله عليه وسلم، نحو بيت المقدس في الركعتين الأوليتين من صلاة الظهر قبل نزول الآية التي تخبر بتغيير جهة القبلة.

جدد بناء المسجد في عهد عمر بن عبد العزيز (87 ـ93هـ ) ، وجدد ثانية في عهد السلطان القانوني عام 950هـ. وتم تطويره؛ وتوسعته فأزيلت الرابية وأقيم مكانها مبنى جديد واسع يتألف من طابقين؛ الطابق الأرضي: ويشمل: الميضأة، والمستودعات، والوحدات السكنية للإمام والمؤذن. أما الطابق العلوي : ففيه المصلى، ومساحته 1190مترًا مربعًا، وخصصت شرفة واسعة مساحتها 400 متر مربع للنساء تطل على ساحة المصلى، ورواق لتحفيظ القرآن الكريم، كما أقيم بجانبه فناء داخلي غرس بالأشجار.

ومن أهم معالم المدينة المنورة كذلك (جبل أحد) ، ويقع في الجهة الشمالية منها، وهو في الحقيقة سلسلة متصلة من الجبال يمتد من الشرق إلى الغرب، ويميل نحو الشمال قليلا، يبلغ طوله سبعة كيلومترات وعرضه ما بين 2- 3 كيلومترات.

ومعظم صخور جبل أحد من الجرانيت الأحمر، وفيه أجزاء تميل ألوانها إلى الخضرة الداكنة والسواد. وتتخلله تجويفات طبيعية تتجمع فيها مياه الأمطار، وتبقى معظم أيام السنة؛ لأنها مستورة عن الشمس، وتسمى هذه التجويفات (المهاريس).

وتنتشر على مقربة من جبل أحد عدة جبال صغيرة، أهمها جبل ثور في شماله الغربي، وجبل عينين في جنوبه الغربي. ويمر عند قاعدته وادي قناة ويتجاوزه غربًا ليصب في مجمع الأسيال.

ويرتبط اسم هذا الجبل بموقعة تاريخية وقعت في السنة الثالثة للهجرة، وسميت باسمه وهي "غزوة أحد"، وكان ميدانها الساحة الممتدة ما بين قاعدته الجنوبية الغربية وجبل عينين الذي يبعد عنه كيلومترا واحدا تقريبًا، ويسمى أيضاً جبل الرماة.

ورغم أن هذا الجبل تشرف بأنه في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن هذا الشرف تضاعف كثيرًا لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم له، وإخباره بأن هذا الجبل أيضا يحبه ويحب المسلمين، فعن أبي حميد قال : (أقبلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك، حتى إذا أشرفنا على المدينة قال : هذه طابة، وهذا أُحد جبل  يحبنا ونحبه) [رواه البخاري ومسلم].

كما أن هذا الجبل الأشم استجاب في خضوع وطاعة لأمر حبيبه وسيده النبي صلى الله عليه وسلم عندما ركله برجله الشريفة لما اهتز أحد به هو وأصحابه، فقد صح عن أنس رضي الله عنه  : (أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحداً وأبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم، فضربه برجله وقال : اثبت أحد، فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيدان) [رواه البخاري ومسلم]. (يتبع)

عدد الزيارات 10530 مرة
قيم الموضوع
(3 أصوات)