طباعة

حكم المظاهرات والاعتصامات

حكم المظاهرات والاعتصامات

المبـــــــادئ

1- من القواعد المقررة شرعا أن الأصل في الأفعال نفي الحرج حتى يدل الدليل على خلافه، وأن الوسائل تأخذ حكم المقاصد.

2- الأصل في المظاهرات والاعتصامات الجواز بشرط الخلو من المحاذير الشرعية، وقد تعتريها باقي الأحكام الخمسة بحسب مقصدها ووسيلتها. وحكم المشاركة فيها بحسب حكمها.

الســــــــــؤال

ما الحكم الشرعي في المظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات؟

الجــــــــــواب

المظاهرات جمع مظاهرة، وهي: تجمع طائفة من الناس في العلن لتظهر مطلبًا أو أكثر من الحاكم غالبًا، والغرض منها إظهار أن المطلب ليس مطلبًا فرديًّا وإنما هو مطلب جماعي. فالتظاهر تعاون بين المتظاهرين، وتقوٍّ بين أفرادهم، وهذا نفسه المعنى اللغوي؛ ففي "مختار الصحاح" [مادة: ظ هـ  ر ]."(الْمُظَاهَرَةُ) الْمُعَاوَنَةُ و(التَّظَاهُرُ) التَّعَاوُنُ وَاسْتَظْهَرَ بِهِ اسْتَعَانَ بِهِ". اهـ.

فالتظاهر مكون من أمرين كل منهما في نفسه يعد جائزًا بمجرده؛ أولهما: مجرد الاجتماع بالأبدان؛ إذ الأصل في الأفعال نفي الحرج حتى يدل الدليل على خلافه.

الأمر الثاني: المطالبة بتحقق أمر مشروع، أو رفع أمر مكروه؛ فالمظاهرة بهذا وسيلة لهذا، والوسائل تأخذ حكم المقاصد. والأصل في طلب الحاجات من الحاكم أنه مشروع؛ فولي الأمر قائم لقضاء حوائج الرعية، ولذا رهَّب النبي صلى الله عليه وسلم من احتجاب أصحاب الولايات دون أصحاب الحاجات، فروى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَاحْتَجَبَ دُونَ حَاجَتِهِمْ، وَخَلَّتِهِمْ وَفَقْرِهِمْ، احْتَجَبَ اللَّهُ عَنْهُ دُونَ حَاجَتِهِ وَخَلَّتِهِ، وَفَقْرِهِ»، وروى أحمد أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ شَيْئًا فَاحْتَجَبَ عَنْ أُولِي الضَّعَفَةِ وَالْحَاجَةِ احْتَجَبَ اللهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". بل قد رغب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في الشفاعة لقضاء حاجات الناس، ففي الصحيحين عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ أَوْ طُلِبَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ قَالَ: «اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ». ومعنى الحديث: توسلوا في قضاء حاجة من طلب أو سأل يكن لكم مثل أجر قضاء حاجته.

وأخرج البخاري عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ نَاسٌ مِنَ الأَنْصَارِ، حِينَ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَفَاءَ مِنْ أَمْوَالِ هَوَازِنَ، فَطَفِقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي رِجَالًا المِائَةَ مِنَ الإِبِلِ، فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا، وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ، قَالَ أَنَسٌ: فَحُدِّثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَقَالَتِهِمْ، فَأَرْسَلَ إِلَى الأَنْصَارِ فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ، وَلَمْ يَدْعُ مَعَهُمْ غَيْرَهُمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ» ، فَقَالَ فُقَهَاءُ الأَنْصَارِ: أَمَّا رُؤَسَاؤُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا، وَأَمَّا نَاسٌ مِنَّا حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا، وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَإِنِّي أُعْطِي رِجَالًا حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ أَتَأَلَّفُهُمْ، أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالأَمْوَالِ، وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رِحَالِكُمْ، فَوَاللَّهِ لَمَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ رَضِينَا، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَتَجِدُونَ أثرَةً شَدِيدَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّي عَلَى الحَوْضِ» قَالَ أَنَسٌ: «فَلَمْ يَصْبِرُوا».

وفي الحديث دليل على التحدث في أمر يتعلق بطلب من الحاكم على مستوى الجماعة؛ لإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لهم.

على أنه ينبغي التنبه إلى أن هذا الجواز مشروط بعدة شروط ومضبوط بعدة ضوابط، منها:

1- ألا يكون موضوعها المطالبة بتحقق أمر منكر لا يجيزه الشرع.

2- ألا تتضمن شعارات أو ألفاظا يحرمها الشرع.

3- ألا تتضمن أمورًا محرمة من نحو إذاية الخلق أو الاعتداء على ممتلكات الناس أو الاختلاط المحرم بين الرجال والنساء.

والاعتصامات شأنها شأن المظاهرات في الحُكم والضوابط، ويدل على مشروعيتها: ما رواه الحاكم في مستدركه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فشكا إليه جاره، فقال: يا رسول الله إن جاري يؤذيني. فقال: «أَخرِج متاعك فضعه على الطريق» فأخرج متاعه فوضعه على الطريق فجعل كل من مر عليه قال: ما شأنك؟ قال: إني شكوت جاري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرني أن أخرج متاعي فأضعه على الطريق فجعلوا يقولون: اللهم العنه، اللهم اخزه، قال: فبلغ ذلك الرجل فأتاه فقال: ارجع فوالله لا أؤذيك أبدًا.

وأما قول من قال إن المظاهرات ممنوعة لأنها بدعة غربية، فغير مقبول، لأنها ليست من العبادات حتى يقال إنها بدعة، فإن قيل: المقصود أنها من بدع العادات الواردة إلينا من الغرب، فالجواب: أن هذا أيضا غير صحيح؛ لأن المظاهرات عرفها المسلمون في مختلف أمصارهم وأعصارهم قديما، وكانت تستعمل مع الولاة أحيانًا، وأحيانا مع المحتل الغاصب؛ وقد أخرج أبو نُعيم في حلية الأولياء [4  /324، ط. السعادة ] عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: "نِعْمَ الشَّيْءُ الْغَوْغَاءُ، يَسُدُّونَ السَّيْلَ، وَيُطْفِئُونَ الْحَرِيقَ، وَيَشْغَبُونَ عَلَى وُلَاةِ السُّوءِ".

 كما أنه ليس كل ما ورد إلينا من الغرب مذموم مرذول، ففي  الصحيحين عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " لَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الرُّومِ قِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ لَنْ يَقْرَءُوا كِتَابَكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَخْتُومًا، فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، وَنَقْشُهُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَكَأَنَّمَا أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِهِ فِي يَدِهِ. وقال الطبري عن عمر: وهو أول مَنْ حمل الدِّرَّة، وضرب بِهَا، وهو أول من دون لِلنَّاسِ في الإِسْلام الدواوين، وكتب الناس عَلَى قبائلهم، وفرض لَهُمُ العطاء. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حدثنا ابن سعد، قال: حدثنا محمد بن عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَائِذُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ بْنِ نُقَيْدٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَشَارَ الْمُسْلِمِينَ فِي تَدْوِينِ الدَّوَاوِينِ، فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: تَقْسِمُ كُلَّ سَنَةٍ مَا اجْتَمَعَ إِلَيْكَ مِنْ مَالٍ، فَلا تُمْسِكْ مِنْهُ شَيْئًا. وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ: أَرَى مَالا كَثِيرًا يَسَعُ النَّاسَ، وَإِنْ لَمْ يُحْصَوْا حَتَّى تَعْرِفَ مَنْ أَخَذَ مِمَّنْ لَمْ يَأْخُذْ، خَشِيتُ أَنْ يَنْتَشِرَ الأَمْرُ. فَقَالَ لَهُ الْوَلِيدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ جِئْتُ الشَّامَ، فَرَأَيْتُ مُلُوكَهَا قَدْ دَوَّنُوا دِيوَانًا، وَجَنَّدُوا جُنْدًا، فَدَوِّنْ دِيوَانًا، وَجَنِّدْ جُنْدًا، فَأَخَذَ بِقَوْلِهِ. تاريخ الطبري (4  /209) وله شواهد.

ووجه الدلالة واضح، وهو الاستفادة من بعض أمور الملك من الأمم الأخرى مما لا ينافي شريعتنا.

والخلاصة: أن المظاهرات والاعتصامات جائزة من حيث الأصل، وقد تعتريها باقي الأحكام الخمسة بحسب مقصدها ووسيلتها. وعليه فتكون المشاركة فيها بحسب حكمها.

عدد الزيارات 8241 مرة
قيم الموضوع
(0 أصوات)