طباعة

تحديد السن في الأضحية

الإثنين, 07 نوفمبر 2016 14:31 كتبه

تحديد السن في الأضحية

السؤال

هل يشترط سن محدَّد للأضحية التي يجوز التضحية بها أم لا؟ وإذا لم يوجد السن المشروط فهل يجوز التضحية بما هو أقل سنًّا، لا سيما وأنه يوجد الآن بعض الأعلاف المركزة التي يتغذَّى بها الحيوان تجعل لحمه أسمن وإن كان صغيرًا؟

الجواب

الأضحية من السنن المؤكَّدة، وشرعت شكرًا لله تعالى، وإحياءً لسنة سيدنا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، كما أن فيها تعظيمًا لشعائر الله سبحانه، قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]، وقال: {لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى} [الحج: 37].

وقد اشترط الفقهاء شروطًا في الأضحية، بعضها يرجع إلى الأضحية ذاتها، وبعضها يرجع إلى الـمُضَحِّي، فمن شروط الأضحية ذاتها كونها من الأنعام، أي الإبل والبقر والجواميس والغنم، سواء كانت الغنم ضأنًا أو ماعزًا، فلا يجزئ غير ذلك من الدواب والطيور؛ لقوله تعالى: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج: 34].

يقول القرطبي: «والأنعام هنا هي الإبل والبقر والغنم» [تفسير القرطبي 12/ 44، ط. دار الكتب المصرية].

وقال أيضًا: «والذي يضحى به بإجماع المسلمين الأزواج الثمانية وهي الضأن والمعز والإبل والبقر» [تفسير القرطبي 15/ 109].

ويقول البغوي: «وقال: {بهيمة الأنعام} وقيَّدها بالنعم؛ لأن من البهائم ما ليس من الأنعام كالخيل والبغال والحمير، لا يجوز ذبحها في القرابين» [معالم التنزيل 3/ 340، ط. دار إحياء التراث العربي].

ومن شروطها أيضًا سلامتها من العيوب الفاحشة التي تنقص اللحم أو الشحم إلا ما استثني من ذلك. ومن شروطها: بلوغ الأضحية سن التضحية، فليس كل الأنعام يصح جعلها أضحية يتقرب بها إلى الله عز وجل، فقد اتفق جمهور الفقهاء على أنه لا يجزئ من الإبل والبقر والمعز إلا الثَّنِي فما فوقه، ويجزئ من الضأن الـجَذَع فما فوقه، وقد روى مسلم في الصحيح من حديث جابر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تذبحوا إلا مُسِنِّة إلا أن يَعسُر عليكم فتذبحوا جَذَعَة من الضأن)). أي: لا يجوز في الأضحية إلا الـمُسِنَّة أي الثَّنِي من الإبل والبقر والمعز، أما الضأن (الخروف) فلا يجوز فيه إلا الـجَذَعة، وقد اختلف الفقهاء في تفسير الثَّنِي والـجَذَعَة، ومذهب الشافعية أن الـجَذَعة ما بلغ سنة، والثَّنِي من الإبل ما بلغ خمس سنين، ومن المعز والبقر ما بلغ سنتين [راجع: تحفة المحتاج 9/ 348، ط. دار إحياء التراث العربي].

ووافق المالكيةُ الشافعيةَ في هذه الأسنان، عدا ثَنِي البقر، فيرى المالكية أن الثَّنِي من البقر ما له ثلاث سنوات ودخل في الرابعة [راجع: حاشية الدسوقي 2/ 119، ط. دار إحياء التراث العربي].

وجمهور الفقهاء أيضًا على أنه لا يجوز النقصان عن هذه السنين المقدَّرة، ونصوصهم دالة على ذلك، يقول الكاساني في «بدائع الصنائع»: «وتخصيص هذه القربة بسن دون سن أمر لا يعرف إلا بالتوقيف فيتبع ذلك» [5/ 70، ط. دار الكتب العلمية].

وفي «البناية على الهداية» لبدر الدين العيني: «ويجوز في الأضحية إذا كانت الشاة عظيمة الجثة وهي جَذَع، وإذا كانت صغيرة الجثة لا يجوز إلا أن يتم لها سنة وطعنت في السنة الثانية، وأما المعز لا يجوز إلا ما تمت له سنة وطعنت في الثانية، وأما البقر لا يجوز إلا ما تمت له سنتان وطعنت في السنة الثالثة سواء كانت عظيمة الجثة أو لا» [12/ 47، ط. دار الكتب العلمية].

وقال ابن عابدين: «وفي البدائع: تقدير هذه الأسنان بما ذكر لمنع النقصان لا الزيادة، فلو ضحى بسن أقل لا يجوز، وبأكبر يجوز وهو أفضل» [رد المحتار 6/ 322، ط. دار الفكر].

وقال الـخَرَشي بعد بيان أسنان الأنعام التي تجزئ في الأضحية: «وإنما اختلفت أسنان الثنايا من هذه الأصناف لاختلافها في قبول الحمل والنزوان، فإن ذلك لا يحصل غالبًا إلا في الأسنان المذكورة، ولما كان ما دون الحلم من الآدمي في حد الصغر ناقصًا كان ذلك في الأنعام كذلك لا يصلح للتقرب به» [3/ 34، ط. دار الفكر].

ويقول الماوردي في «الحاوي»: «إذا تقرر أن الضحايا بالإبل والبقر والغنم دون ما عداها من جميع الحيوان، فأسنان ما يجوز في الضحايا منها معتبرة، ولا يجزئ دونها، وقد أجمعنا على أنه لا يجزئ ما دون الجذاع من جميعها، ولا يلزم ما فوق الثنايا من جميعها» [15/ 76، ط. دار الكتب العلمية]

وفي أسنى المطالب: «(ولا) يجزئ (أقل من جَذَع الضأن وثني المعز والإبل والبقر والجذع ذو سنة) تامة» [1/ 535، ط. دار الكتاب الإسلامي].

وقال ابن قدامة في «المغني»: «ولا يجزئ إلا الـجَذَع من الضأن، والثَّنِي من غيره» [9/ 439، ط. مكتبة القاهرة].

وعلَّل الجمهور ما ذهبوا إليه بحديث البراء بن عازب، قال: ((خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى بعد الصلاة، فقال: من صلَّى صلاتنا ونَسَك نُسكنا فقد أصاب النُّسُك، ومن نَسَك قبل الصلاة فإنه قبل الصلاة ولا نُسَك له، فقال أبو بردة بن نيار خال البراء: يا رسول الله فإني نَسكتُ شاتي قبل الصلاة، وعرفت أن اليوم يوم أكل وشرب وأحببت أن تكون شاتي أول ما يذبح في بيتي، فذبحت شاتي وتغديت قبل أن آتي الصلاة، قال: شاتك شاة لحم، قال: يا رسول الله، فإن عندنا عَنَاقًا لنا جَذَعة هي أحبُّ إلي من شاتين، أفتجزي عني؟ قال: نعم، ولن تجزي عن أحد بعدك)) [متفق عليه].

فقوله صلى الله عليه وسلم: ((ولن تجزي عن أحد بعدك)) دليل اختصاص أبي بردة بهذا النقصان عن السن المحدَّد في الأضحية، ودليل على أنه لا يجوز التضحية بالـجَذَع من الغنم لغير أبي بردة، والعَنَاق أنثى المعز، ومن باب أولى عدم إجزاء الإبل والبقر. وقوله صلى الله عليه وسلم: ((شاتك شاة لحم))، أي ليس ما ذبحتَه أضحية، وليس لها ثواب الأضحية بل هي كغيرها مما يذبح عادة للأكل، وقد يستدل به على أنه ليس المقصود من الأضحية أصالة اللحم، فلو كان المقصود اللحم لصحَّح النبي صلى الله عليه وسلم شاة أبي بردة رغم التجوُّز في الوقت، ولَمَا سأله أبو بردة عن إجزاء العَنَاق.

وقد رخَّص النبي صلى الله عليه وسلم لعقبة بن عامر رضي الله عنه ما دون السن الشرعي للأضحية، ففي الصحيحين عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلَّم أعطاه غَنَمًا يَقسِمُها على صحابته، فبَقيَ عَتُودٌ أو جَديٌ، فذكره للنبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: ((ضَحِّ به أنت))، وفي رواية للبيهقي: ((ولا رخصة فيها لأحد بعدك)). والعتود: هو الصغير من أولاد المعز إذا قوي ورعى وأتى عليه حول.

وكأن المعنى الذي ذهب إليه جمهور الفقهاء أن علة الاقتصار على أسنان الأنعام غير معقولة، فلا يجوز النقصان عنها، بينما خالف الجمهورَ بعضُ السلف كطاوس وعطاء والأوزاعي، حيث أجازوا النقصان عن هذه الأسنان، فأجازوا الـجَذَع من الإبل والبقر والغنم مطلقًا دون اختصاص بشخص دون آخر [راجع: المغني 9/ 348، والمجموع 8/ 366، ط. مكتبة الإرشاد]، يقول ابن حزم: «ومن طريق وكيع، نا عمر بن ذر الهمداني، قلت لطاوس: يا أبا عبد الرحمن إنا ندخل السوق فنجد الـجَذَع من البقر السمين العظيم فنختار الثَّنِي لسِنِّه. فقال طاوس: أحبهما إليَّ أسمنهما وأعظمهما» [المحلى 6/ 26، ط. دار الفكر]، والـجَذَع من البقر ما تم سنة.

ورأي الجمهور أقوى من حيث الدليل، لكن عند النظر يمكن أن يقال: إن اشتراط سن معينة للأضاحي مظنة أن تكون ناضجة كثيرة اللحم رعاية لمصلحة الفقراء والمساكين، وإذا كانت المستوفية للسن المبين في الشرع الشريف هزيلة قليلة اللحم، ويوجد ما هو أصغر منها سنًّا بمعنى أنها لم تستوف السن المحددة شرعًا إلا أنها كثيرة اللحم كما يحدث في هذا الزمان من القيام بعلف الحيوان الصغير بمركزات تزيد من لحمه، وإذا وصل إلى السن المحددة هزل وأخذ في التناقص، فإن الإسلام راعى مصالح العباد وهو مقصد من مقاصد الشريعة الغراء، فإذا لم يوجد حيوان مستوفٍ السن المحددة شرعًا كثير اللحم ووجد ما هو أقل سنًّا كثير اللحم، فإنه تجوز الأضحية به لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن)) [رواه مسلم]، وقياسًا على ذلك فإنه يجوز للحاجة، والحاجة قد تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة. والله تعالى أعلم.

عدد الزيارات 12866 مرة
قيم الموضوع
(2 أصوات)

1 تعليق

  • تعليق صبري حسين الأزهري الأحد, 28 يوليو 2019 00:38 أرفق صبري حسين الأزهري

    احسنت معالي العلامة الدكتور علي جمعة
    نفع الله بكم البلاد والعباد