حكم امتداد عقد الإيجار وفقا للقانون
المبـــــــادئ
1- تقرر في قواعد الشرع أنَّ تصرف ولي الأمر على الرعية مَنوطٌ بالمصلحة، وأنّ له سُلطة تقييد المباح.
2- تقاضي المستأجر مبلغًا ماليًّا مِن المالك المؤجر نظير التنازل عن عقد الإيجار الساري، وهو ما يسمى بـ "خلوّ الرجل" لا مانع منه شرعًا إذا اتفق الطرفان على المبلغ المدفوع. ويقسم بين المنتفعين بامتداد العقد بالسوية.
الســــــــــؤال
اطلعنا على الطلب المقيد برقم: 946 لسنة 2009م المتضمن:
شقة إيجار بمدينة نصر باسم والدي من سنة 1972م، توفي الوالد سنة 1998م وترك في العين: الزوجة، وأنا، والأخت الصغرى، وأختًا أخرى تزوجت بعد وفاته بـ 8 شهور وانتقلت إلى بيت زوجها، أما باقي الإخوة، وهم: أخ وأخت متزوجان ومستقلان عنا مِن قبل وفاة الوالد.
السؤال عن هذه الشقة: أراد صاحب العقار هدمه وإخلاء مَن فيه في مقابل مبلغ 500000 جنيه، من له حق في هذا المبلغ؟ وإذا تم شراء شقة تمليك فباسم مَن تُكتَب؟ مع العلم أني سأتزوج بعد حوالي ثلاثة أشهر.
الجــــــــــواب
عقد الإيجار له قوانين تُنَظِّمه، وهذه القوانين منها ما يتعلق بما يسمى بـ "امتداد عقد الإيجار"؛ ومفهوم الامتداد هنا هو أن عقد الإيجار لا ينقضي بانتهاء مدته العَقدية، بل يمتد تلقائيًّا وبحكم القانون إلى مستفيدين معينين منصوص عليهم في القانون.
وقد فرض القانون المصري امتداد عقود الإيجار إلى مدة غير محددة ودون حاجة إلى توافق إرادة المتعاقدين على ذلك بنصوص آمرة تتعلق بالنظام العام.
وقد حَدَّد القانون المستفيدين بامتداد عقد الإيجار في عَدَدٍ محدودٍ مِن الأقارب؛ وقد جاء في المادة 29 مِن قانون 49 لسنة 1977م بشأن إيجار الأماكن أنه: "لا ينتهي عَقدُ إيجار المسكَن بوفاة المستأجر أو تركِه العَينَ إذا بقي فيها زوجُه أو أولادُه أو أيٌّ مِن والديه الذين كانوا مقيمين معه حتى الوفاة أو الترك. وفي جميع الأحوال يلتزم المؤجر بتحرير عقد إيجار لمن لهم حقٌّ في الاستمرار في شَغل العين، ويُلزَم هؤلاء الشاغلون بطريق التضامن بكافة أحكام العقد". فيُعلَم مِن هذه المادة أنه يستفيد مِن الامتداد كل مِن: الزوجين، والأولاد: الذكور والإناث، والوالدَين الذين كانوا يقيمون مع المستأجر في تاريخ الوفاة أو الترك.
وهؤلاء الأقارب جميعًا يستفيدون مِن الامتداد القانوني، ولم يَرِد في النصوص القانونية ما يفيد أنه يُتَدَرَّج في بقائهم، بل يثبت الامتداد لصالحهم مجتمعين، كما كانوا مستفيدين جميعًا بالإقامة قبل الوفاة أو الترك، فيشتركون جميعًا أيضًا بعد الوفاة أو الترك في الانتفاع بكامل العين، فإذا ما ترك أحدُهم الإقامة بالعين خلص الحق للآخرين.
والمقصود بالإقامة المذكورة في المادة السابقة هو الإقامة المستقرة المعتادة المستمرة حتى الوفاة أو الترك؛ بحيث تكون نية المقيم منصرفة إلى أن يجعل من هذا المسكن مراحه ومغداه؛ فلا يعوِّل على مأوى ثابت ودائم سواه، فتخرج بذلك الإقامة العَرَضِيّة والعابرة المؤقتة مهما استطالت، أيًّا كان الباعث عليها والداعي لها.
وكذلك لم يشترط القانون في الزوجين والأولاد والوالدَين استمرارَ الإقامة مدة معينة، بل يكفي مُجَرَّد الإقامة المستقرة وقت الوفاة أو الترك. ومنه يُعلَم أيضًا أنه لا يَلزم أن يكون المستفيد وارثًا، إذ قد يتمتع بحق الامتداد ويقوم به مانع من موانع الإرث، وكذلك لا يلزم أن يكون كل وارث مستفيدًا، بل قد لا يكون مِن حق الوارث البقاء إذا لم تتوفر لديه شروط المادة 29.
وهذه القوانين والنظم هي مِن المسائل الخاضعة لما يراه ولي الأمر مِن المصلحة الراجحة، فيَسُنّ القانون المنظِّم لها بما يتناسب مع المصلحة العامة، والمصلحة هنا تنسجم مع كون المسكن ذا طابع عائلي غالبًا؛ حيث يتعاقد عليه المستأجر ليسكن فيه مع أسرته، وهؤلاء الأقارب المعينين هم الذين يعيشون في كنف المستأجر، ومنهم تتكون الأسرة في كثير من الأحيان.
وقد تقرر في قواعد الشرع أنَّ تصرف ولي الأمر على الرعية مَنوطٌ بالمصلحة، وأنَّ وليَّ الأمر له سُلطة تقييد المباح، والمقصود بالتقييد هنا أنّ ولي الأمر له الحق في اختيار أحد الأمرين: الفعل أو الترك لأحد أفراد المباح الذي يجوز فعله أو تركه ابتداء، ثم إلزام الناس بهذا الاختيار بمقتضى الصلاحية التي أعطاها له الشرع.
وأصل هذا قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡ} [النساء: 59]، قال العلامة ابن عاشور في تفسيره: "أولو الأمر مِن الأمّة ومِن القوم هم الذين يُسنِد الناسُ إليهم تدبير شؤونهم ويعتمدون في ذلك عليهم، فيصير الأمر كأنّه مِن خصائصهم. فأولو الأمر هنا هم مَن عدا الرسول مِن الخليفة إلى والي الحسبة، ومِن قواد الجيوش ومِن فقهاء الصحابة والمجتهدين إلى أهل العلم في الأزمنة المتأخّرة، وأولو الأمر هم الذين يُطلَق عليهم أيضا أهل الحَلّ والعقد".اهـ. 5/ 97، 98، ط: الدار التونسية للنشر.
وروى الشيخان عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: «السمعُ والطاعةُ على المَرءِ المُسلِم فيما أَحَبّ وكَرِه، ما لم يؤمَر بمعصيةٍ، فإذا أُمِرَ بمعصيةٍ فلا سَمعَ ولا طاعَة».
وروى الترمذي وأصله في صحيح مسلم عن وائل بن حُجر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- سأله رجل فقال: «أرأيتَ إن كان علينا أمراء يمنعونا حقنا ويسألونا حقهم؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: اسمعوا وأطيعوا؛ فإنما عَلَيهم ما حُمِّلوا وعَلَيكُم ما حُمِّلتُم».
وروى الحافظ البيهقي في سننه الكبرى، وابن أبي شيبة في مصنفه واللفظ له: "أنّ حُذيفة بن اليَمَان -رضي الله عنه- تزوج امرأةً يهودية، فكتب إليه عمر أن خلِّ سبيلها، فكتب إليه: إن كانت حرامًا خليتُ سبيلها، فكتب إليه: إني لا أزعم أنها حرام، ولكني أخاف أن تعاطَوْا المومسات منهن".
فهذا عمر -رضي الله عنه- قد قَيَّد الزواج من الكتابيات في زمنه بالمنع لَمّا خشي أن يتساهل الناس في تحري الزواج مِن العفيفات منهن، وهذا الصنيع منه ليس تحريمًا للحلال، بل تقييدًا للمباح للمصلحة العامة. أصرح منه ما رواه الأزرقي في أخبار مكة أنه لَمّا ضاق المسجد الحرام على الناس عمد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إلى الدور المحيطة به فاشتراها من أصحابها وهدمها لتوسعة المسجد، فلما أبى بعضهم أن يأخذ الثمن وتمنع مِن البيع وضعت أثمانها في خزانة الكعبة حتى أخذوها بعد، وقال لهم عمر: "إنما نَزَلتم على الكعبة فهو فناؤها، ولم تَنزِل الكعبةُ عليكم"، وهذه الواقعة نَصٌّ في جواز تدخل ولي الأمر في الملكية الفردية، ولا شك أن إلزام المالك بمدِّ عقد الإيجار أخف مِن إجباره على بيعه.
وقد نَصّ العلماء على هذا المعنى؛ مِن ذلك ما جاء في كتب السادة الشافعية مِن أن وليّ الأمر إذا أمر بمستحب أو مكروه أو مباح وَجَب فعله؛ قال الإمام ابن حجر الهيتمي في فتاواه الفقهية 1/ 278، ط: المكتبة الإسلامية: "قولهم: تجب طاعة الإمام فيما يأمر به وينهى عنه ما لم يخالف حكم الشرع. والظاهر أن مرادهم بمخالفة حكم الشرع: أن يأمر بمعصية أو ينهى عن واجب، فشمل ذلك المكروه، فإذا أمر به وجب فعله؛ إذ لا مخالفة حينئذ. وظاهر كلامهم أن الصدقة تصير واجبة إذا أمر بها، وهو كذلك، لكن يتحقق الوجوب بأقل ما ينطلق عليه اسم الصدقة، كما هو ظاهر".اهـ.
أما بخصوص تقاضي المستأجر مبلغًا ماليًّا مِن المالك المؤجر نظير التنازل عن عقد الإيجار الساري، وهو ما يسميه الناس الآن بـ "خلوّ الرجل" أو "بدل الخلو" أو "الفروغ" أو "بيع المفتاح" فلا مانع منه شرعًا إذا اتفق الطرفان على المبلغ المدفوع؛ لأنه من باب بيع المنافع، وحقيقة الإجارة تمليك المنفعة بعوض، فكأن المستأجر يتنازل عن حقه في المنفعة نظير المقابل المعيَّن.
قال القرافي في كتابه الفروق في الفرق الثلاثين بين قاعدة تمليك الانتفاع وبين قاعدة تمليك المنفعة 1/ 187، ط: عالم الكتب: "أما مالك المنفعة فكمن استأجر دارًا أو استعارها فله أن يؤاجرها مِن غيره أو يُسكنه بغير عِوَض ويتصرّف في هذه المنفعة تَصَرُّف الملاك في أملاكهم على جري العادة على الوجه الذي ملكه، فهو تمليكٌ مُطلقٌ في زمن خاص حسبما تناوله عقدُ الإجارة أو أشهدت به العادة في العارية، فمن شهدت له العادة في العارية بمدة كانت له تلك المدة ملكًا على الإطلاق يتصرف كما يشاء بجميع الأنواع السائغة في التصرف في المنفعة في تلك المدة ويكون تمليك هذه المنفعة كتمليك الرقاب".اهـ.
وقال إمام المالكية في زمانه الشيخ محمد عليش في شرحه لمختصر خليل 7/ 493، ط: دار الفكر: "قاعدة: مَن مَلَك المنفعة فله المعاوضة عليها وأخذ عوضها، ومَن ملك الانتفاع بنفسه فقط فليس له المعاوضة عليها ولا أخذ عوضها؛ كساكن المدرسة والرباط والجالس في المسجد أو في الطريق، فليس لأحد إيجار مكانه مِن المسجد أو المدرسة أو الرباط أو الطريق؛ لأنه لم يملك منفعته، بل مَلك انتفاعه بنفسه فقط". اهـ.
وقد أفتى بذلك جمعٌ مِن علماء المالكية؛ ولبعض المتأخرين مِنهم رسالةٌ بعنوان: جملة تقارير وفتاوى في الخلوات والإنزالات عند التونسيين؛ لمفتي المالكية بتونس الشيخ إبراهيم الرياحي 1266هـ، والشيخ محمد بيرم الرابع التونسي، ومفتي المالكية الشيخ الشاذلي بن صالح باس، والشيخ محمد السنوسي قاضي تونس، يقررون فيها جواز المعاوضة عن الخلوات؛ عملا بالعرف والعادة؛ ولأن المستأجر يملك المنفعة فله أن يتنازل عنها بعوض كالإجارة، وبغير عوض كالإعارة، وقد نقل البناني فتوى الفاسِيِّين بجواز بيع الخلو.
وقال الشيخ محمد بيرم: "وما أشبه الخلو بالمغارسة، غير أن الخلو لا تحصل به ملكية الرقبة لتعلقه بالمنفعة".
وألّف أيضًا الشيخ أحمد الفيومي الغرقاوي مِن متأخري المالكية رسالة أخرى بعنوان: "التنبيه بالحسنى في منفعة الخلو والسكنى في تحقيق مسألة الخلو بالعين المؤجرة للسكنى"، وتعرَّض لهذه المسألة الشيخ عليش في فتاواه: "فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك " 2/ 250، ط: دار المعرفة - ونقل مواضع مطولة من رسالة الغرقاوي المذكورة.
وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة رقم 6 لعام 1408هـ الموافق 1988م ما نَصُّه: "إذا تَمَّ الاتفاق بين المالك وبين المستأجر أثناء مدة الإجارة على أن يدفع المالك إلى المستأجر مبلغًا مقابل تخليه عن حقه الثابت بالعقد في ملك منفعة بقية المدة، فإن بدل خلو الرجل هذا جائزٌ شرعًا؛ لأنه تعويض عن تنازل المستأجر برضاه عن حقه في المنفعة التي باعها للمالك".اهـ. على أنه ينبغي أن يُعلَم أن هذا المبلغ المُحَصَّل مِن المؤجر لا يقسم بين المنتفعين بامتداد عقد الإيجار قسمة الإرث؛ لأن الشقة المؤجرة لا تدخل ضمن تركة المستأجر عند وفاته، ولم يكن هذا المال داخلا في ملكه وقت وفاته، فيوَزَّع بين جميعهم بالسوية؛ لتساويهم جميعًا في سبب استحقاق هذا المال الذي آل إليهم عن طريق التنازل عن عقد الإيجار.
وعليه وفي واقعة السؤال: فإن المستفيدين من امتداد عقد الإيجار هم: الزوجة، والثلاث الأخوات اللاتي كن موجودات في العين المؤجرة عند وفاة الأب ما دامت قد تحققت فيهن الإقامة بمعناها الذي قد بيناه سابقًا، ولا حرج عليهن في أن يتقاضَين مِن مالك العقار مبلغًا متفقًا عليه بين الأطراف نظير تنازلهن عن عقد الإيجار وإخلاء العين، ويكون هذا المبلغ حقًّا خالصًا لهن دون أخيهن وأختهن اللذَين قد تزوجا واستقلا قبل وفاة والدكم، ويوزع هذا المبلغ عليكن بالسوية، وإذا اتفقتن على شراء شقة تمليك به، فإنها تكتب باسمكن جميعًا.
هذه هي الحقوق، أما إذا أردتن استرضاء أخيكن وأختكن المذكورَين؛ بأن تتنازل كلُّ واحدة منكنّ عن شيء مِن حصتها؛ صلة للأرحام وجبرانًا للخواطر، فهو أمر حَسَنٌ محمودٌ تؤجرن عليه ويبقى لكن في العاقبة، على أن يكون ذلك بالتراضي والتسامح لا بالجبر والقهر، هذا إذا كان الحال كما ورد بالسؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم