تغيير الجنس لعلاج اضطراب الهوية الجنسية
السؤال
كثر الحديث مؤخرًا في وسائل الإعلام المختلفة عن مرض يسمى (اضطراب الهوية الجنسية) وظهر عديد من الأشخاص يدَّعون أنهم في معاناة حقيقية وحياة مريرة بسبب هذا المرض، وأن الحل الجذري لمشكلتهم هو إجراء عملية جراحية للتحويل إلى الجنس الآخر، زاعمين أن عقولهم وأرواحهم تنتمي إلى الجنس الآخر لكنها تجسدت في البدن الخطأ، ويصفون العملية الجراحية بـأنها تصحيح للجنس وليست تغييرًا للجنس تجنبًا لتهمة العبث وتغيير خلق الله، ويستشهدون بتصريحات لبعض الأطباء تؤكد أن هذا المرض لا يستجيب للعلاج الهرموني ولا العلاج النفسي، بل إنه لا علاج له حتى الآن سوى تغيير الجنس، فهل يعتبر هذا المرض عذرًا شرعيًّا يجيز إجراء عملية التحويل؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد، فاضطراب الهوية الجنسية أو ما يسمى بالإنجليزية: (Gender identity disorder) ويعرف اختصارًا بـ(GID) هو تشخيص يطلقه أطباء وعلماء النفس على الأشخاص الذين يعانون من حالة من عدم الارتياح أو القلق حول نوع الجنس الذي ولدوا به، وهو يعتبر تصنيفًا نفسيًّا، يصف المشاكل المتعلقة بالتغير الجنسي وهوية التحول الجنسي والتشبه بالجنس الآخر، وهذا المرض النفسي يعني باختصار أن يجد الإنسان المريض في نفسه شعورًا لا إراديًّا بأنه ينتمي إلى الجنس الآخر رغم اكتمال خلقته الجسدية وسلامة أعضائه التناسلية.
والجندر (Gender): كلمة إنجليزية تنحدر من أصل لاتيني، وهي لغة: الجنس. من حيث الذكورة والأنوثة، ويستخدم لتصنيف الأسماء والضمائر والصفات.
ويُعَرِّف هذا المصطلح منظمة الصحة العالمية بأنه: الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة كصفات اجتماعية مركبة لا علاقة لها بالاختلافات العضوية، وتعرّفه الموسوعة البريطانية بأنه: شعور الإنسان بنفسه كذكر أو كأنثى، ومن ثم فإذا قام الرجل بوظيفة الأنثى، أو قامت الأنثى بوظيفة الذكر، فإنه لن يكون هنالك ذكر أو أنثى، وإنما سيكون هنالك «نوع» أي «جندر»، وهذا يعني أن اختلاف الرجل والمرأة البيولوجي لا علاقة له باختيار النشاط الجنسي الذي يمارسه كل منهما، وهنا دعوة صريحة للشذوذ الجنسي، ويعني أيضًا قيام الرجل بوظائف المرأة، وقيام المرأة بوظائف الرجل؛ لأن هذه الوظائف المخصصة لكل منهما حددها المجتمع ولم يحددها طبيعة الذكورة والأنوثة كما يزعمون، وهذا يعني أيضًا أنه هدم للأسرة التي هي نواة المجتمعات كلها ومن دونها يخرب المجتمع.
وحقيقة الإنسان أنه كائن فقير وضعيف، فهو في حاجة دائمة إلى أن يستمد وجوده ومقومات حياته من خالقه الذي أوجده في هذه الدنيا، وقد أمر الله تعالى رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بإظهار حقيقة الإنسان وحقيقة ما يملكه قائلا: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28]، {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ} [يونس: 49]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ 15 إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ 16 وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ } [فاطر: 15 – 17]، وقد يتوهم الإنسان لنفسه ملكية حقيقية يدعيها جاهلا مفتونا على خلاف واقع الأمر كما قال تعالى: {فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 49]، وروى الترمذي في سننه عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ». وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له: «فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا».
فدلت هذه النصوص الشرعية على أن الإنسان لا يملك جسده ملكا حقيقيا؛ لأنه مسؤول عنه أمام الله تعالى، ومجازى على تصرفه فيه وما اقترفه من ظلم في حق نفسه وجسده، بينما المالك الحق لا يُسأل ولا يُجازى على ما فعل في ملكه، قال تعالى: {قُلِ اللهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ} [آل عمران: 26]، وقال تعالى: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23]، وكما تدل محاسبة الإنسان على ماله -من أين اكتسبه وفيما أنفقه- على أنه لا يمتلكه ملكا حقيقيا يبيح له حرية التصرف المطلقة، فكذلك تدل محاسبته على جسده فيما أبلاه.
يقول ابن الحاج المالكي في «المدخل» (1 /132، ط. دار التراث): «وإن كان للإنسان أن يتصرف في ماله لكن تصرفا غير تام محجورا عليه فيه؛ لأنه لا يملك الملك التام؛ لأنه أبيح له أن يصرفه في مواضع ومنع أن يصرفه في مواضع، فالمال في الحقيقة ليس هو ماله وإنما هو في يده على سبيل العارية على أن يصرفه في كذا ولا يصرفه في كذا، وهذا بيِّن منصوص عليه في القرآن والحديث» اهـ.
وعلى هذا الأساس لا يحق للإنسان التصرف في أعضاء جسده إلا في حدود ما بينت شريعة الإسلام إباحته بنص خاص أو بنص عام، قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ 116 فَتَعَالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون: 115،116]، فالإنسان لم يخلق عبثًا ولن يترك سدى بلا أمر ونهي وحساب، فإنه عبد مكلف في الحياة الدنيا بمهام محددة يؤديها ويثاب أو يعاقب بناء على ما عمل، {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة: 105].
وفيما يتعلق بالتدخل الجراحي في أعضاء الإنسان التناسلية، فأصله المنع إلا للضرورة أو الحاجة التي تنزل منزلة الضرورة؛ لأن الشريعة الإسلامية قد حرمت الخصاء وما في معناه لكونه تغييرا لخلق الله تعالى، قال عز وجل: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا 117 لَعَنَهُ اللهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا 118 وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا} [النساء: 117-119]، فالقرآن الكريم يوضح أن تغيير خلق الله تعالى محرم؛ لأنه امتثال لأمر الشيطان وولاء له من دون الله وخسران مبين، والخصاء ونحوه تغيير لخلق الله، ومخالفة لفطرته التي فطر الناس عليها فهو حرام، وقد جاء في التفسير عن ابن عباس وأنس بن مالك رضي الله عنهم وأيضا عن غيرهما من السلف الصالح، أن المراد بتغيير خلق الله الوارد في الآية الكريمة: هو الخصاء. (انظر: تفسير الإمام الطبري، جامع البيان 9 /215- 216، ط. مؤسسة الرسالة)، لكن إذا كان في الجراحة بتر بعض أعضاء الجسد للإبقاء على الحياة مثلا أو منافع سائر الأعضاء، فالقاعدة أن الضرورات تبيح المحظورات، وأنه إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررًا بارتكاب أخفهما. (انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي ص 84، 87، ط دار الكتب العلمية).
واضطراب الهوية الجنسية لبعض الأشخاص مشكلة معروفة منذ زمن قديم سابق لعصور الإسلام، لكن معناها أن تجتمع في الشخص الواحد علامات ومؤشرات شكلية وسلوكية للذكورة والأنوثة مع تفاوت في نسبة ذلك بين مريض وآخر، غير أن هذه المشكلة لها حالتان: فقد تكون مشكلة فعلية لا دخل لإرادة الشخص فيها؛ وقد تكون مفتعلة بإرادته، ولكل حالة من هاتين حكم وعلاج. ويسمى من ابتلي بهذا الاضطراب (خنثى) إذا كان الاضطراب جسديا شكليا فكانت له آلة تناسل الذكر والأنثى، فإذا استحكم اللبس وأشكل الأمر بحيث لم يعلم أيهما الأصل وأيهما الزائد سمي: (خنثى مشكل) وكذا إذا لم يكن له آلة أصلا.
وقد ذكر الفقهاء أن ترجيح جنس الخنثى المشكل بميوله القلبية لا يعتبر إلا في حالتين؛ الأولى: عند العجز عن علامات ظاهرة، والثانية: إذا كان ليس له ذكر رجل ولا فرج أنثى، وفيما عدا هاتين الحالتين لا يجوز إلحاقه بأي الجنسين بناء على ميوله القلبية أو ما يمكن أن يعبر عنه اليوم بالإحساس الداخلي بأن روحه تنتمي إلى الجنس الآخر (انظر: روضة الطالبين للنووي 1 /79، ط. المكتب الإسلامي).
وجاء في «الأشباه والنظائر» للسيوطي (ص241- 242): «قال النووي: الخنثى ضربان: ضرب له فرج المرأة، وذكر الرجال. وضرب ليس له واحد منهما. بل له ثقبة يخرج منها الخارج، ولا تشبه فرج واحد منهما، فالأول: يتبين أمره بأمور: أحدها: البول، فإن بال بذكر الرجال وحده: فرجل، أو بفرج النساء: فامرأة، أو بهما اعتبر بالسابق، إن انقطعا معًا. وبالمتأخر إن ابتدآ معًا، فإن سبق واحد، وتأخر آخر: اعتبر بالسابق، فإن اتفقا فيهما فلا دلالة في الأصح، ولا ينظر إلى كثرة البول من أحدهما، ولا إلى التزريق بهما، أو الترشيش. الثاني، والثالث: خروج المني والحيض في وقت الإمكان. فإن أمنى بالذكر، فرجل، أو الفرج أو حاض، فامرأة. بشرط أن يتكرر خروجه ليتأكد الظن به، ولا يتوهم كونه اتفاقيا. كذا جزم به الشيخان. قال الإسنوي: وسكوتهما عن ذلك في البول يقتضي عدم اشتراطه فيه. والمتجه: استواء الجميع في ذلك، قال: وأما العدد المعتبر في التكرار فالمتجه: إلحاقه بما قيل في كلب الصيد: بأن يصير عادة له. فإن أمنى بهما، فالأصح أنه يستدل به، فإن أمنى نصفه مني الرجال فرجل، أو نصفه مني النساء، فامرأة، فإن أمنى من فرج الرجال نصفه منيهم ومن فرج النساء نصفه منيهن، أو من فرج النساء نصفه مني الرجال، أو عكسه، فلا دلالة، وكذا إذا تعارض بول وحيض، أو مني بأن بال بفرج الرجال، وحاض أو أمنى بفرج النساء. وكذا إذا تعارض المني والحيض في الأصح. الرابع: الولادة. وهي تفيد القطع بأنوثته، وتقدم على جميع العلامات المعارضة لها. قال في شرح المهذب: ولو ألقى مضغة وقال القوابل: إنه مبدأ خلق آدمي: حكم به. وإن شككن دام الإشكال. قال: ولو انتفخ بطنه، وظهرت أمارة حمل: لم يحكم بأنه امرأة، حتى يتحقق الحمل. قال الإسنوي: والصواب الاكتفاء بظهور الأمارة فقد جزم به الرافعي في آخر الكلام على الخنثى. وتبعه عليه في الروضة. كذا في شرح المهذب في موضع آخر وهو الموافق الجاري على القواعد المذكورة في الرد بالعيب، وتحريم الطلاق، واستحقاق المطلقة النفقة، وغير ذلك. الخامس: عدم الحيض في وقته علامة على الذكورة، يستدل بها عند التساوي في البول نقله الإسنوي عن الماوردي، قال: وهي مسألة حسنة قل من تعرض لها. السادس: إحباله لغيره، نقله الإسنوي عن العدة، لأبي عبد الله الطبري، وابن أبي الفتوح وابن المسلم. قال: ولو عارضه حبله قدم على إحباله، حتى لو وطئ كل من المشكلين صاحبه» فأحبله، حكمنا بأنهما أنثيان، ونفينا نسب كل منهما عن الآخر. السابع: الميل ويستدل به عند العجز، عن الأمارات، السابقة، فإنها مقدمة عليه، فإن مال إلى الرجل فامرأة، أو إلى النساء فرجل، فإن قال: أميل إليهما ميلا واحدا، ولا أميل إلى واحد منهما، فمشكل. الثامن: ظهور الشجاعة، والفروسية، ومصابرة العدو، كما ذكره الإسنوي تبعا لابن المسلم. التاسع إلى الثاني عشر: نبات اللحية، ونهود الثدي، ونزول اللبن، وتفاوت الأضلاع في وجه. والأصح أنها لا دلالة لها. وأما الضرب الثاني -أي الذي ليس له ذكر رجل ولا فرج أنثى- ففي شرح المهذب عن البغوي: أنه لا يتبين إلا بالميل. قال الإسنوي: ويتبين أيضا بالمني المتصف بأحد النوعين، فإنه لا مانع منه. قال: وأما الحيض، فيتجه اعتباره أيضا. ويحتمل خلافه؛ لأن الدم لا يستلزم أن يكون حيضا، وإن كان بصفة الحيض، لجواز أن يكون دم فساد بخلاف المني» اهـ.
أما إذا كان الاضطراب اللاإرادي والمشابهة عارضة للسلوك والكلام والحركات فيسمى المبتلى مخنَّثا (بفتح النون المشددة) إذا كان ذكرا، ومُتَرَجِّلَة إذا كانت أنثى، ولا يلحق هذا المبتلي عقاب ولا لوم إلا إذا أمكنه دفع هذا الاضطراب فلم يفعل.
أما من افتعل هذا الاضطراب بأن يتشبه بالجنس الآخر فإن كان رجلا سمي مخنَّثا (بالفتح) وقيل: بل مخنِّثا (بكسر النون المشددة)، وإن كانت امرأة سميت مترجلة، وفي الحديث الشريف الذي أخرجه البخاري في صحيحه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالمُتَرَجِّلاتِ مِنَ النِّسَاءِ، وَقَالَ: «أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ» قَالَ: فَأَخْرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُلانًا، وَأَخْرَجَ عُمَرُ فُلانًا. (رواه البخاري)، وفي رواية أخرى للحديث توضح أن المقصود بالمخنثين والمترجلات المتشبهون بالجنس الآخر بافتعال وتصنع واختيار، جاء فيها: «لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ».
يقول الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (10 /332، ط دار المعرفة): «قال الطبري: المعنى لا يجوز للرجال التشبه بالنساء في اللباس والزينة التي تختص بالنساء ولا العكس. قلت: وكذا في الكلام والمشي فأما هيئة اللباس فتختلف باختلاف عادة كل بلد فرب قوم لا يفترق زي نسائهم من رجالهم في اللبس لكن يمتاز النساء بالاحتجاب والاستتار، وأما ذم التشبه بالكلام والمشي فمختص بمن تعمد ذلك، وأما من كان ذلك من أصل خلقته فإنما يؤمر بتكلف تركه والإدمان على ذلك بالتدريج فإن لم يفعل وتمادى دخله الذم ولا سيما إن بدا منه ما يدل على الرضا به، وأخذ هذا واضح من لفظ المتشبهين وأما إطلاق من أطلق كالنووي وأن المخنث الخلقي لا يتجه عليه اللوم فمحمول على ما إذا لم يقدر على ترك التثني والتكسر في المشي والكلام بعد تعاطيه المعالجة لترك ذلك وإلا متى كان ترك ذلك ممكنا ولو بالتدريج فتركه بغير عذر لحقه اللوم» اهـ.
فالاضطراب المفتعل انحراف سلوكي يقتضي التعزير والردع وإعادة تأهيل المنحرف، فإذا تجاوز افتعال الاضطراب والتشبه بالجنس الآخر حد السلوك إلى حد إجراء عملية جراحية من أجل التشبه بالجنس الآخر، كان هذا التصرف جريمة لا يجوز الإقدام عليها طلبا وفعلا تستحق العقوبة؛ لأنه تغيير لخلق الله وكفر لنعمته وتشويه وإضرار بالنفس غير جائز شرعا، ويقال في هذا ما قاله العلماء عن جراحة الخصاء وما شابهها.
يقول الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (9 /119): «قوله: (فنهانا عن ذلك) -أي عن الخصاء- هو نهي تحريم بلا خلاف في بني آدم لما تقدم، وفيه أيضا من المفاسد تعذيب النفس والتشويه مع إدخال الضرر الذي قد يفضي إلى الهلاك، وفيه إبطال معنى الرجولية وتغيير خلق الله وكفر النعمة؛ لأن خلق الشخص رجلا من النعم العظيمة فإذا أزال ذلك فقد تشبه بالمرأة واختار النقص على الكمال» اهـ.
ويقول الإمام القرطبي في تفسيره (الجامع لأحكام القرآن 5 /391، ط. دار الشعب): «وأما الخصاء في الآدمي فمصيبة فإنه إذا خصي بطل قلبه وقوته عكس الحيوان وانقطع نسله المأمور به في قوله عليه السلام: «تناكحوا تناسلوا فإني مكاثر بكم الأمم»، ثم إن فيه ألما عظيما ربما يفضي بصاحبه إلى الهلاك فيكون فيه تضييع مال وإذهاب نفس وكل ذلك منهي عنه، ثم هذه مُثْلة وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المثلة، وهو صحيح وقد كره جماعة من فقهاء الحجازيين والكوفيين شراء الخصي من الصقالبة وغيرهم وقالوا: لو لم يشتروا منهم لم يخصوا، ولم يختلفوا أن خصاء بني آدم لا يحل ولا يجوز لأنه مُثْلَةٌ وتغيير لخلق الله تعالى وكذلك قطع سائر أعضائهم في غير حد ولا قود، قاله أبو عمر» اهـ.
أما الاضطراب اللاإرادي فهو ابتلاء مرضي ينبغي علاجه ويراعى في معالجته استقراء علامات الذكورة والأنوثة العضوية فتتحدد هوية المريض بناء على ذلك، ويجوز حينئذ إجراء العملية الجراحية وما تتطلبه من علاج بعد تحديد الهوية الجنسية لإبراز الهوية الحقيقية، وإزالة العناصر العضوية والآثار النفسية التي سببت اضطراب الهوية الجنسية للمريض؛ لأن القاعدة الشرعية أن (الضرر يزال)، ولا شك أن هذا التشابه والالتباس ضرر، فإزالته واجبة قدر الاستطاعة؛ لأن تركه مع إمكان دفعه يوقع صاحبه في إثم التشبه بالجنس الآخر المستوجب للَّعن.
وبناء على ما سبق فإنه لا يجوز إجراء العملية الجراحية التي تسمى: تحويل الجنس أو تغييره أو تصحيحه إلا في حالة الخنثى الذي اجتمعت فيه أعضاء جسدية تخص الذكور والإناث (كآلة التناسل مثلا)، كما يتضح أنه لا يجوز شرعا الاعتماد في تحديد هوية (الخنثى المشكل) الجنسية على سلوكه وميوله إلا في حالتين: الأولى: عند العجز عن التحديد بناء على العلامات المادية المذكورة، والثانية: إذا لم يكن له ذكر رجل ولا فرج أنثى، وفيما عدا هاتين الحالتين لا يجوز إلحاقه بأي الجنسين بناء على ميوله القلبية أو ما يمكن أن يعبر عنه اليوم بالإحساس الداخلي بأن روحه تنتمي إلى الجنس الآخر. هذا وإنَّ فشل أطباء الغرب ومقلديهم في الشرق في علاج من يسمونهم مرضى (اضطراب الهوية الجنسية) نفسيًّا لا يقتضي التسليم التام بأنه لا علاج لهم سوى العملية الجراحية ومسخ آدميتهم، فماذا لو كان فهم الإسلام والتزام شريعته وآدابه يعتبر ركنا أصيلا في علاج المرضى الذين يريدون العلاج حقا، لا الذين يتبعون شهواتهم الشيطانية الشاذة، ويريدون الاعتراف بشرعية جريمتهم في حق أنفسهم وفي حق الآدمية وفي حق الخالق عز وجل، ومهما أجرى المخنث من عمليات جراحية لتحويله صوريًّا إلى الجنس الآخر لم يتحول شرعًا، ولا يُعطى الحقوق المادية أو المعنوية إلا المناسبة لحقيقته قبل عمليات المسخ والتشويه التي أجراها. والله تعالى أعلم.