في الحديث عن أسماء الله الحسنى نحتاج دائما أن نؤكد على أنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام، القسم الأول : هو قسم الجمال مثل الرحمن الرحيم العفو الغفور الرءوف. والقسم الثاني: هو قسم الجلال مثل الجبار المنتقم المتكبر شديد المحال العظيم. والقسم الثالث: هو قسم الكمال، مثل لفظ الجلالة ومثل الأول الآخر، الظاهر الباطن، الضار النافع، المعطي المانع.
ومعنا في هذا العدد اسم الله تعالى (القابض) والقبض في اللغة هو: هو الأخذ، وجمع الكف على شئ، وقبضه ضد بسطه. والقابض اسم فاعل مشتق من قبض يقبض قبضا. والقبض:التقتير ضد البسط: التوسيع، والانْقِباضُ خِلافُ الانْبِساط وقد انْقَبَضَ وتَقَبَّضَ وانْقَبَضَ الشيءُ صارَ مَقْبُوضاً وتَقَبَّضَتِ الجلدة في النار أَي انْزَوَتْ.
وفي أَسماء اللّه تعالى القابِضُ هو الذي يُمْسِكُ الرزق وغيره من الأَشياء عن العِبادِ بلُطْفِه وحِكمته ويَقْبِضُ الأَرْواحَ عند المَمات.
وهذان الاسمان لم يردا في القرآن الكريم بلفظهما وإنما أتيا أفعالا، كما يقول أبو عبد الله القرطبي في كتابه الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى: لم يأتيا في القرآن اسمين بهذه الصيغة وإنما وردا فعلين قال الله تعالى" وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" [البقرة :245 ].
وقال:" بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ"[المائدة :64] وقال" وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِى الأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ" [الشورى :27] وقال" وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطًا [نوح :19]. وهذه أفعال تصرفت في القرآن وجاء في حديث أبي هريرة وأجمعت عليهما الأمة.
والقابض اسم من الأسماء المزدوجة التي نراها مع الباسط كما نرى الأول والآخر، الظاهر والباطن، المعز والمذل، الضار والنافع وهكذا، فهي من الأسماء المزدوجة التي بها الكمال فإن الله سبحانه وتعالى هو القابض والباسط وهو على كل شيء قدير وبكل شيء عليم وبكل شيء محيط فهو سبحانه وتعالى قابض وباسط في نفس الوقت يبسط الرزق لعباده لكنه يقبض الرزق عن عباده أيضاً.
ويروى عن بعض العارفين قوله: يذكر القابض والباسط معا قائلا لا يوصف الله بالقبض دون البسط يعني أنه لا يوصف بالحرمان دون العطاء ولا بالعطاء دون الحرمان.
ويقول الإمام القشيري "اعلم أن القبض والبسط على اصطلاح أهل المعرفة في تخاطبهم نعتان يتعاقبان على القلوب، فإذا غلب على قلب عبد الخوف كان بعين القبض، وإذا غلب على قلبه الرجاء صار من أهل البسط".
ويحكى عن الجنيد أنه قال: الخوف يقبضني والرجاء يبسطني والحق يجمعني والحقيقتة تغرقني...
وقال بعض أهل المعرفة: إذا قبض قبض حتى لا طاقة، وإذا بسط بسط حتى لا فاقة.
وقد تجد إنسانا رزقه ضَيَّقاً وهناك إنسان رزقه واسع .وأيضا يقبض ويبسط النفوس ترى إنساناً في حالة قبض يعنى اكتئاب وإنسان آخر في حالة بسط يعنى سرور وفرح وانشراح وينقلب على الإنسان هذا وذاك، فالقبض مما يتجلى الله به على كونه، والبسط مما يتجلى الله به على كونه.
والله تعالى يتجلى على هذا الكون بصفاته العُلى فقد نرى الرحمة في الحيوان أو النبات أو الإنسان لو لاحظت أي حيوان مع ابنه كيف إنه يرحمه ويعطف عليه.
فالقابض اسم من أسماء الله تعالى يدل على كمال القدرة ويدل على أنه يجب عليك أن تلتجئ إلى الله دائما، فإذا وجدت كآبَة في نفسك أو ضيقا أو ضيقاً في الرزق فإنك تتوجه مباشرة إلى الذي بيده الملك إلى من تسبب في ذلك وخلقه في نفسك أو في كونك إلى الله الذي ينبغي أن تتعلق به، لأنه هو القابض و الباسط ولذلك يجب أن تلجأ إليه.