تنقسم أسماء الله الحسنى إلى ثلاثة أقسام، القسم الأول : هو قسم الجمال مثل الرحمن الرحيم العفو الغفور الرءوف. والقسم الثاني : هو قسم الجلال مثل الجبار المنتقم المتكبر شديد المحال العظيم. والقسم الثالث : مثل لفظ الجلالة ومثل الأول الآخر، الظاهر الباطن، الضار النافع، المعطي المانع.
وعلاقة الإنسان بكل قسم من هذه الأقسام تختلف، فبالنسبة لقسم الجمال العلاقة هي التخلق، على حد قول الصالحين وهم يفسرون قوله تعالى : ﴿كونوا ربانيين ﴾ [آل عمران :79] أي تخلقوا بأخلاق الله، أما التعامل مع القسم الثاني، وهو قسم الجلال فيكون بالتعلق حيث نهانا الله عن التكبر، والتعظم، وقال في الحديث القدسي العظمة : «العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في النار» [رواه ابن أبي شيبة في مصنفه]. أما التعامل مع القسم الثالث : وهو الكمال فذلك يكون بالإيمان والتصديق.
والاسم الذي معنا في هذا العدد، وهو اسم الله الجبار ينتمي للقسم الثاني وهو قسم الجلال الذي ينبغي للمسلم أن يتعلق به، وهو في اللغة القوي الذي لا ينال، قال ابن الإنباري : الجبار فـي صفة اللَّه عزّ وجلّ الذي لا يُنالُ، والجبار هو العظيم فالعرب يقولون : نخلة جَبَّارة وهي العظيمة التي تفوت يد المتناول. فالجبار هو القوي العظيم الشديد الذي لا ينال، وهو الذي عقابه أليم شديد، ولم يرد اسم الله الجبار في القرآن مضافا لله سبحانه وتعالى إلا مرة واحدة في سورة الحشر في قوله تعالى : ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الحشر :23].
ولقد ورد هذا اللفظ في القرآن أكثر من مرة في إطار الذم لمن أراد أن يتصف به من العباد، ومنه قوله تعالى : ﴿وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ [إبراهيم :15]. وقوله تعالى عن سيدنا يحيى عليه السلام في مدحه إذ تبرأ من هذه الصفة التي لا تنبغي للعبد : ﴿وَبَرًا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًا﴾ [مريم :14]. وفي نفس المعنى في قوله تعالى على لسان سيدنا عيسى عليه السلام : ﴿وَبَرًا بِوَالِدَتِى وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّارًا شَقِيًا﴾ [مريم :32]. وكذلك الرجل الذي خشي من سيدنا موسى عليه السلام فقد حكى القرآن عنه قوله : ﴿أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِى كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِى الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ المُصْلِحِينَ﴾ [القصص :19].
فلا يجوز للمؤمن أن يتصف بصفة التجبر لأنه من الصفات الخاصة بالله سبحانه وتعالى التي لا تنبغي لغيره كالكبرياء والعظمة، وإنما يلجأ المؤمن في ضعفه إلى ربه الجبار ويتعلق به ويسأله أن ينتقم من المعتدين الغاصبين المفسدين فإنه الجبار القوي العزيز القادر على ذلك.