لقد وضح النبي ﷺ ذلك عندما كرر لفظ الأم ثلاث مرات ؛ فعن بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَبَرُّ ؟ قَالَ : " أُمَّكَ " قَالَ : قُلْتُ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : " أُمَّكَ " قَالَ : قُلْتُ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : " أُمَّكَ " قَالَ : قُلْتُ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : " ثُمَّ أَبَاكَ ، ثُمَّ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ "(1).
فبر الوالدين خاصة الأم من الإيمان وعقوق الوالدين يأتي بعد الشرك بالله. وهو كبيرة من الكبائر. فإذا اختلف كما هو في السؤال فأمر الأب الابن ألا يذهب عند أمه. وأمرت الأم ابنها ألا يذهب عند أبيه. فلا طاعة لهما في ذلك. فيحتال ويذهب من غير أن يخبره ويتلطف معه ويصبر على أذاه. وإذا دعا عليه أو دعت عليه. لا يستجاب لهما لأنهما يدعوان عليه بالإثم وليس بصلاح الأمور والله لا يستجيب لهذا الأمر. إذًا فبر الوالدين واجب. فإذا أمره أباه بألا يذهب إلى أمه فلا يطعه ، وعليه أن يذهب إليها ولا يطيع أباه في مثل هذا.
ثم تأتي مسألة النفقة. فيقال: أنت ومالك لأبيك ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي مَالًا وَوَلَدًا ، وَإِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي ، فَقَالَ : " أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ " (2).
إذا كان الأب يحتاج لضروريات الحياة فيجب على الابن نفقة العمودين ويجب عليه أن ينفق على أبيه وأمه وعلى جده وعلى جدته وعلى ابنه وعلى ابنته. يجب عليه أن ينفق على أصوله وعلى فروعه عند الاحتياج إلى ذلك.
فلو كان ابنه غنيًّا فلا يجب أن يصرف عليه.
وما معنى الغنى؟
أن يجد ما ينفقه على نفسه ويقوم به. الزيادة على النفقة الضرورية ليست واجبة على الابن ـــ الحديث أنت ومالك لأبيك على أخذ المال كله ـــ ولا نقول نصفه ولا ربعه ولا كذا إنما بالمعروف وفي وسعه.
السؤال الثاني : أن الأب يأمره أن يقترض من البنك بالفائدة ، وكذا إلى آخره ، الحقيقة نقول : لا يقترض إنما ينفق ما في طاقته قال تعالى : ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ) (البقرة:286)
(1) أخرجه البخاري في كتاب البر والصلة ، باب ما جاء في بر الوالدين ( 1897 ) عن مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَبَرُّ : .. به ،قَالَ وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَائِشَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ أَبمو عِيسَى وَبَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ هُوَ أَبُو مُعَاوِيَةَ بْنُ حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيُّ وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَدْ تَكَلَّمَ شُعْبَةُ فِي بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ وَهُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَرَوَى عَنْهُ مَعْمَرٌ وَالثَّوْرِيُّ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ .
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب التجارات ، باب ما للرجل من مال ولده (2291 ) عن هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ إِسْحَقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ : .. به .