السؤال: أرجو إعطائي فتوى فيما يأتي :
لدي مصنع صغير لإنتاج بعض المنتجات الصغيرة ، فهل يمكن إعطاء بعض هذه المنتجات للباعة المستحقين مقابل زكاة المال كلها أو بعضها ، حيث إن هؤلاء الباعة الذين سيحصلون على هذه المنتجات سيبيعونها وينتفعون بثمنها ، فكأننا بعناها وأعطيناهم الثمن ؟ وفي حالة جواز ذلك شرعًا هل نعطيها لهم بقيمتها التجارية أم بالقيمة التي سيأخذها بها منهم المستهلك ؟ .
الجواب: الأصل في الزكاة أن تكون من جنس المال الذي تجب فيه ؛ فقد روى أبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لمعاذ رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن :« خُذِ الْحَبَّ مِنَ الْحَبِّ وَالشَّاةَ مِنَ الْغَنَمِ وَالْبَعِيرَ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرَةَ مِنَ الْبَقَرِ »(1) .
وعند فقهاء الحنفية وغيرهم أنه يجوز إخراج القيمة بدلاً عن العين ، وأن تعيين الأجناس في الزكاة إنما كان تسهيلاً على أرباب الأموال ؛ حيث يسهل على صاحب المال إخراج زكاته من جنس ماله ، لا أن ذلك إلزاما بأخذ الزكاة من جنس المال(2) ، واستدلوا على ذلك بما رواه البخاري معلقًا والبيهقي بسنده عن طاوس قال : قَالَ مُعَاذٌ رضي الله عنه لأَهْلِ الْيَمَنِ : " ائْتُونِي بِعَرْضٍ ثِيَابٍ خَمِيصٍ أَوْ لَبِيسٍ فِي لصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ ؛ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لأَصْحَابِ النَّبِيّ صلى الله عليه وآله وسلم - بِالْمَدِينَةِ "(3) ، وطاووس وإن لـم يلق معاذًا فهو عالم بأمر معاذ – كما قال الإمام الشافعي رضي الله عنه - ؛ حيث لم يفهم معاذ رضي الله عنه الأمر إلا على جهة المصلحة من باب أن ذلك أيسر على أصحاب الأموال ، فعدل عن ذلك عندما رأى المصلحة في غيره ، حيث كان أهل اليمن مشهورين بصناعة الثياب ونسجها وكان دفعها أيسر عليهم مع حاجة أهل المدينة إليها ، وكذلك كان يفعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ؛ فقد روى سعيد بن منصور في سننه عن عطاء قال : كان عمر بن الخطاب يأخذ العُروض في الصدقة بدلا من الدراهم(1) .
____________________________________________________
(1) أخرجه أبو داود في الزكاة ، باب صدقة الزرع (1599 ) عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، وقَالَ أَبو دَاود : شَبَرْتُ قِثَّاءَةً بِمِصْرَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ شِبْرًا وَرَأَيْتُ أُتْرُجَّةً عَلَى بَعِيرٍ بِقِطْعَتَيْنِ قُطِّعَتْ وَصُيِّرَتْ عَلَى مِثْلِ عِدْلَيْنِ ، وابن ماجه في الزكاة ، باب ماتجب فيه الزكاة من الأموال ( 1814 ) بإسناده ، والحاكم في المستدرك على الصحيحين ( 1 / 546 ) بإسناده ، وقال : هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين إن صح سماع عطاء بن يسار عن معاذ بن جبل فإني لا أتقنه .
(2) انظر بدائع الصنائع ( 2 / 50 ) وأسهل المدارك ( 1 / 408 ) .
(3) أخرجه البخاري في الزكاة (باب العرض في الزكاة ) تعليقًا . قال العيني في عمدة القاري ( 9 / 4 ) وقال الداودي والجوهري : ثوب خميس بالسين ويقال له أيضا خموص : وهو الثوب الذي طوله خمسة أذرع يعني الصغير من الثياب ، وقال أبو عمر : وأول من عملها باليمن ملك يقال له الخميس . وفي مجمع الغرائب : أول من عمله يقال له الخميس ، وقال ابن التين : ولو كان أراد الاسم لقال لبوس لأن اللبوس كل ما يلبس من ثياب ودرع . وقوله : والذرة بضم الذال المعجمة وتخفيف الراء . وقوله : أهون خبر مبتدأ محذوف أي هو أهون أي أسهل . وقوله : عليكم وإنما لم يقل لكم لإرادة معنى تسليط السهولة عليهم . وقد احتج به أصحابنا في جواز دفع القيم في الزكوات ولهذا قال ابن رشيد وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية مع كثرة مخالفته لهم لكن قاده إلى ذلك الدليل وقال بعضهم لكن أجاب الجمهور عن قصة معاذ رضي الله تعالى عنه قلت من جملة ما قالوا إنه مرسل وقال الإسماعيلي حديث طاووس لو كان صحيحا لوجب ذكره لينتهي إليه وإن كان مرسلا فلا حجة فيه ومنهم من قال إن المراد بالصدقة الجزية لأنهم يطلقون ذلك مع تضعيف الواجب حذرا من العار وقال البيهقي وهذا الأليق بمعاذ رضي الله تعالى عنه والأشبه بما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من أخذ الجنس في الصدقات وأخذ الدينار وعدله معافر ثياب اليمن في الجزية قالوا ويدل عليه نقله إلى المدينة .
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ( 2 / 404 ) عن عطاء ، وابن قدامة في المغني ( 2 / 357 ) .